يَجِىءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِى. فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِىءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِى فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ ». (١)..
وروى الإمام أحمد عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - : يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ لَنَا عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِنْهُ مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ، فَهُوَ غُلٌّ، يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ أَسْوَدُ، قَالَ مُجَالِدٌ: هُوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ، فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: وَأَنَا أَقُولُ ذَلِكَ الآنَ، مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ، فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَهُ، وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى. (٢)..
وقد عملت هذه الآية القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة عملها في تربية الجماعة المسلمة حتى أتت بالعجب العجاب وحتى أنشأت مجموعة من الناس تتمثل فيهم الأمانة والورع والتحرج من الغلول في أية صورة من صوره، كما لم تتمثل قط في مجموعة بشرية. وقد كان الرجل من أفناء الناس من المسلمين يقع في يده الثمين من الغنيمة، لا يراه أحد، فيأتي به إلى أميره، لا تحدثه نفسه بشيء منه، خشية أن ينطبق عليه النص القرآني المرهوب، وخشية أن يلقى نبيه على الصورة المفزعة المخجلة التي حذره أن يلقاه عليها يوم القيامة! فقد كان المسلم يعيش هذه الحقيقة فعلا. وكانت الآخرة في حسه واقعا، وكان يرى صورته تلك أمام نبيه وأمام ربه، فيتوقاها ويفزع أن يكون فيها. وكان هذا هو سر تقواه وخشيته وتحرجه. فالآخرة كانت حقيقة يعيشها، لا وعدا بعيدا! وكان على يقين لا يخالجه الشك من أن كل نفس ستوفى ما كسبت، وهم لا يظلمون..
الثغاء : صياح الغنم =الحمحمة : صوت الفرس دون الصهيل =رقاع : ما عليه من الحقوق مكتوبة فى رقاع وقيل الثياب التى غلها =الصامت : الذهب والفضة خلاف الناطق وهو الحيوان
(٢) - مسند أحمد (عالم الكتب) [٦ /٨٢] (١٧٧١٧) ١٧٨٦٩ صحيح
قوله:"مخيطاً" قال القاضي عياض كما في "شرح الأبي" ٦/٥٢٢: الإبرة.="فليجىء بقليله وكثيره" فيه تعظيم القليل من الغلول.="فما أوتي منه أخذ" ذلك على قدر ما يراه الإمام من استحقاقه في عمله أوحاجته أو سابقته.