.. فهذا التميز تلبية للشعور بالامتياز والتفرد كما أنه بدوره ينشىء شعورا بالامتياز والتفرد.
ومن هنا كذلك كان النهي عن التشبه بمن دون المسلمين في خصائصهم، التي هي تعبير ظاهر عن مشاعر باطنة كالنهي عن طريقتهم في الشعور والسلوك سواء. ولم يكن هذا تعصبا ولا تمسكا بمجرد شكليات. وإنما كان نظرة أعمق إلى ما وراء الشكليات. كان نظرة إلى البواعث الكامنة وراء الأشكال الظاهرة. وهذه البواعث هي التي تفرق قوما عن قوم، وعقلية عن عقلية، وتصورا عن تصور، وضميرا عن ضمير، وخلقا عن خلق، واتجاها في الحياة كلها عن اتجاه.
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ - قَالَ « إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لاَ يَصْبُغُونَ، فَخَالِفُوهُمْ » (١)
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - ﷺ - وَهُوَ مُتَوَكِّئٌ عَلَى عَصًا فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَقَالَ: لاَ تَقُومُوا كَمَا تَقُومُ الأَعَاجِمُ يُعَظِّمُ بَعْضُهَا بَعْضًا. قَالَ: فَكَأَنَّا اشْتَهَيْنَا أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ لَنَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا، وَارْضَ عَنَّا وَتَقَبَّلْ مِنَّا وَأَدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَنَجِّنَا مِنَ النَّارِ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ. فَكَأَنَّا اشْتَهَيْنَا أَنْ يَزِيدَنَا. فَقَالَ: قَدْ جَمَعْتُ لَكُمُ الأَمْرَ (٢).
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ سَمِعَ عُمَرَ - رضى الله عنه - يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - ﷺ - يَقُولُ « لاَ تُطْرُونِى كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ » (٣).
نهى عن تشبه في مظهر أو لباس. ونهى عن تشبه في حركة أو سلوك. ونهى عن تشبه في قول أو أدب لأن وراء هذا كله ذلك الشعور الباطن الذي يميز تصورا عن تصور، ومنهجا في الحياة عن منهج، وسمة للجماعة عن سمة.

(١) - صحيح البخارى- المكنز [١٢ /١٧٥](٣٤٦٢ ) وصحيح مسلم- المكنز [١٤ /١٤٨](٥٦٣٢ )
(٢) - مسند أحمد (عالم الكتب) [٧ /٣٩٩](٢٢١٨١) ٢٢٥٣٤ وسنن أبي داود - المكنز [٤ /٥٢٧] (٥٢٣٢ ) ضعيف
(٣) - صحيح البخارى- المكنز [١٢ /١٥٦](٣٤٤٥ ) تطرونى: تمدحونى


الصفحة التالية
Icon