ثم يجيء المشهد الثاني حين يخرج قارون بزينته على قومه، فتطير لها قلوب فريق منهم، وتتهاوى لها نفوسهم، ويتمنون لأنفسهم مثل ما أوتي قارون، ويحسون أنه أوتي حظا عظيما يتشهاه المحرومون. ذلك على حين يستيقظ الإيمان في قلوب فريق منهم فيعتزون به على فتنة المال وزينة قارون، ويذكرون إخوانهم المبهورين المأخوذين، في ثقة وفي يقين :«فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا : يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ. إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ : وَيْلَكُمْ! ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً، وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ». وهكذا وقفت طائفة منهم أمام فتنة الحياة الدنيا وقفة المأخوذ المبهور المتهاوي المتهافت، ووقفت طائفة أخرى تستعلي على هذا كله بقيمة الإيمان، والرجاء فيما عند اللّه، والاعتزاز بثواب اللّه. والتقت قيمة المال وقيمة الإيمان في الميزان :«قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا : يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ. إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ».. وفي كل زمان ومكان تستهوي زينة الأرض بعض القلوب، وتبهر الذين يريدون الحياة الدنيا، ولا يتطلعون إلى ما هو أعلى وأكرم منها فلا يسألون بأي ثمن اشترى صاحب الزينة زينته؟ ولا بأي الوسائل نال ما نال من عرض الحياة؟ من مال أو منصب أو جاه. ومن ثم تتهافت نفوسهم وتتهاوى، كما يتهافت الذباب على الحلوى ويتهاوى! ويسيل لعابهم على ما في أيدي المحظوظين من متاع، غير ناظرين إلى الثمن الباهظ الذي أدوه، ولا إلى الطريق الدنس الذي خاضوه، ولا إلى الوسيلة الخسيسة التي اتخذوها.