" فالذي يقع للكفار في الدنيا رَدْع لكل ظالم يحاول أنْ يعتدي، وأنْ يقف في وجه الحق؛ لذلك يعطينا ربنا - عز وجل - صورة لهذا العذاب الدنيوي للمفسدين في الأرض، فيقول سبحانه: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَ ى فَبَغَ ى عَلَيْهِمْ... ﴾.
فلم يتكلم عن قارون وجزائه في الآخرة، إنما يجعله مثَلاً وعِبرة واضحة في الدنيا لكل مَنْ لم يؤمن بيوم القيامة لعلَّه يرتدع.
والنبي - ﷺ - اضطهده كفار قريش، ووقفوا في وجه دعوته، وآذوْا صحابته، حتى أصبحوا غير قادرين على حماية أنفسهم، ومع ذلك ينزل القرآن على رسول الله - ﷺ - يقول:﴿ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ﴾[القمر: ٤٥].
فيتعجب عمر رضي الله عنه: أيُّ جمع هذا؟ فنحن غير قادرين على حماية أنفسنا، فلما وقعتْ بدر وانهزم الكفار وقُتِلوا. قال عمر: نعم صدق الله﴿ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ﴾[القمر: ٤٥].
لذلك يقولون: لا يموت ظالم في الدنيا حتى ينتقم الله منه، ولم يَرَ الناس فيه ما يدل على انتقام الله منه تعجّبوا وقال أحدهم: لا بُدَّ أن الله انتقم منه دون أن نشعر، فإنْ أفلتَ من عذاب الدنيا، فوراء هذه الدار أخرى يعاقب فيها المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، وعَدْل الله - عز وجل - يقتضي هذه المحاسبة.
والحق - تبارك وتعالى - يجعل من قارون عبرةً لكل مَنْ لا يؤمن بالآخرة ليخاف من عذاب الله، ويحذر عقابه، والعبرة هنا بمَنْ؟ بقارون رأس من رؤوس القوم، وأغنى أغنيائهم، والفتوة فيهم، فحين يأخذه الله يكون في أَخَذه عبرة لمن دونه.


الصفحة التالية
Icon