وإذا كان ربنا - عز وجل - يوصينا بأن نبتغي الآخرة، فهذا لا يعني أن نترك الدنيا: ﴿ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا... ﴾ [القصص: ٧٧] لكن هذه الآية يأخذها البعض دليلاً على الانغماس في الدنيا ومتعها.
وحين نتأمل ﴿ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا... ﴾ [القصص: ٧٧] نفهم أن العاقل كان يجب عليه أنْ ينظر إلى الدنيا على أنها لا تستحق الاهتمام، لكن ربه لفته إليها ليأخذ بشيء منها تقتضيه حركة حياته. فالمعنى: كان ينبغي علىَّ أنْ أنساها فذكِّرني الله بها.
ولأهل المعرفة في هذه المسألة مَلْمح دقيق: يقولون: نصيبك من الشيء ما ينالك منه، لا عن مفارقة إنما عن ملازمة ودوام، وعلى هذا فنصيبك من الدنيا هو الحسنة التي تبقى لك، وتظل معك، وتصحبك بعد الدنيا إلى الآخرة، فكأن نصيبك من الدنيا يصُبُّ في نصيبك من الآخرة، فتخدم دنياك آخرتك.......
أو: يكون المعنى موجهاً للبخيل الممسك على نفسه، فيُذكِّره ربه ﴿ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا... ﴾ [القصص: ٧٧] يعني: خُذْ منها القَدْر الذي يعينك على أمر الآخرة، لذلك قالوا عن الدنيا: هي أهم من أن تُنْسى - لأنها الوسيلة إلى الآخرة - وأتفه من أن تكون غاية؛ لأن بعدها غاية أخرى وأبقى وأدوم.
ثم يقول سبحانه: } وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ.. ﴿ [القصص: ٧٧] الحق سبحانه يريد أنْ يتخلَّق خَلْقه بخُلُقه.
فكما أحسن الله إليك أحسِنْ إلى الناس، وكما تحب أنْ يغفر الله لك، اغفر لغيرك إساءته { أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ... ﴾ [النور: ٢٢].