إذن: فلتكُنْ مؤدباً مع الكون من حولك، فإذا لم تستطع أنْ تزيده حُسْناً فلا أقلَّ من أنْ تدعه كما هو دون أنْ تفسده، وضربنا لذلك مثلاً ببئر الماء قد تعمد إليه فتطمسه، وقد تبني حوله سوراً يحميه.
هذه مسائل خمْس توجَّه بها قوم قارون لنصحه بها، منها الأمر، ومنها النهي، ولا بُدَّ أنهم وجدوا منه ما يناقضها، لا بُدَّ أنهم وجدوه بَطِراً أَشِراً مغروراً بماله، فقالوا له:﴿ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾[القصص: ٧٦]. ووجدوه قد نسي نصيبه من الدنيا فَلم يتزود منها للآخرة، فقالوا له } وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا... } [القصص: ٧٧]، ووجدوه يضنُّ على نفسه فلا ينفق في الخير، فقالوا له: ﴿ وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ... ﴾ [القصص: ٧٧] يعني: عَدِّ نعمتك إلى الغير، كما تعدَّت نعمة الله إليك.. وهكذا ما أمروه أمراً، ولا نهوْهُ نهياً إلا وهو مخالف له، وإلا لَمَا أمروه ولَمَا نهوْهُ.
ثم يقول قارون رداً على هذه المسائل الخمس التي توجَّه بها قومه إليه: ﴿ قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَ ى عِلْمٍ. ﴾.
لكن ما وجه هذا الردّ ﴿ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَ ى عِلْمٍ عِندِي... ﴾ [القصص: ٧٨] على المطلوبات الخمسة التي طلبوها منه؟ كأنه يقول لهم: لا دخلَ لكم هذه الأمور؛ لأن الذي أعطاني المال علم أنني أهْلٌ له، وأنني استحقه؛ لذلك ائتمنني عليه، ولسْتُ في حاجة لنصيحتكم.
أو يكون المعنى ﴿ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَ ى عِلْمٍ عِندِي ﴾ [القصص: ٧٨] يعني: بمجهودي ومزاولة الأعمال التي تُغِل علىَّ هذا المال، وكان قارون مشهوراً


الصفحة التالية
Icon