أي: يُلقّى قضية العلم بالحقائق، ولا تخدعه ظواهر الأشياء. هذه لا يجدها ولا يُوفّق إليها إلا الصابرون، كما قال سبحانه في آية أخرى:﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾[فصلت: ٣٥].
والصبر: احتمال ما يؤذي في الظاهر، لكنه يُنعَم في الباطن. وله مراحل، فالله تعالى كلَّفنا بطاعات فيها أوامر، وكلَّفنا أنْ نبتعد عن معاصٍ، وفيها نواهٍ، وأنزل علينا أقداراً قد لا تستطيبها نفوسنا، فهذه مراحل ثلاث.
فالطاعات ثقيلة وشاقة على النفس؛ لذلك يقول تعالى عن الصلاة:﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾[البقرة: ٤٥] فهناك دَواع شتَّى تصرفك عن الصلاة، وتحاول أنْ تُقعدك عنها، فتجد عند قيامك للصلاة كسلاً وتثاقلاً.
واقرأ قوله تعالى عن الصلاة مخاطباً نبيه - ﷺ - :﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا... ﴾[طه: ١٣٢] وهذا دليل على أنها صعبة وشاقَّة على النفس، لكن إذا تعودتْ عليها، وألفتها النفس صارتْ أحبَّ الأشياء إليك، وأخفّها على نفسك، بل وقرَّة عَيْن لك.
والنبي - ﷺ - يُعلِّمنا هذا الدرس في قوله لمؤذنه بلال فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى صِهْرٍ لَنَا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَقَالَ: يَا جَارِيَتِي، ائْتِنِي بِوَضُوءٍ لِعَلِّي أَتَوَضَّأُ فَأَسْتَرِيحَ، فَرَآنَا أَنْكَرْنَا ذَلِكَ، أَوْ فَكَأَنَّهُ رَآنَا أَنْكَرْنَا ذَلِكَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - ﷺ -


الصفحة التالية
Icon