ليغتاظ ويندم على أنه أساء إلى أخيه، كذلك الحق - تبارك وتعالى - إن اعتدى بعض خَلْقه على بعض يحتضن المظلوم، وينصره على مَنْ ظَلمَه.
ثم يُفاجأ قارون بالعقاب الذي يستحقه: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ... ﴾. والخسف: أن تنشقَّ الأرض فتبتلع ما عليها، كالذي يقول (يا أرض انشقي وابلعيني)، والخسف كان به وبداره التي فيها كنوزه وخزائنه وما يملك ﴿ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ... ﴾ [القصص: ٨١]، فما نفعه مال، ولا دافع عنه أهل ﴿ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ ﴾ [القصص: ٨١] أي: بذاته. فلم تكُنْ له عُصْبة تحميه، ولا استطاع هو حماية نفسه، فمَنْ يدفع عذاب الله إن حلَّ، ومَنْ يمنعه ونقذه إنْ خُسِفت به الأرض؟!
وهنا ينبغي أن نتساءل: كيف الآن حال مَنْ اغتروا به، وفُتِنوا بماله وزينته؟
يقول الحق سبحانه: ﴿ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ... ﴾. لقد كانوا بالأمس يقولون﴿ يالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ... ﴾[القصص: ٧٩]، لكن اليوم وبعد أن عاينوا ما حاق به من عذاب الله وبأسه الذي لا يُردُّ عن القوم الكافرين - اليوم يثوبون إلى رُشْدهم ويقولون: ﴿ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ... ﴾ [القصص: ٨٢].
كلما (وَىْ) اسم فعل مثل: أُفٍّ وهيهات، وتدل على الندم والتحسُّر على ما حدث منك، فهي تنديد وتَخْطيءٌ للفعل، وقد تُقال (وَيْ) للتعجب. فقولهم (وي) ندماً ما كان منهم من تمني النعمة التي تنعَّم بها قارون وتخطيئاًَ لأنفسهم، بعد أنْ شاهدوا الخَسْف التي تنعَّم بها قارون وتخطيئاً لأنفسهم، بعد أنْ شاهدوا الخَسْف به وبداره، وهم يندمون الآن ويُخطِّئون أنفسهم؛ لأن الله تعالى في رزقه حكمة وقدراً.


الصفحة التالية
Icon