وقد أوردنا في فصل " التصوير الفني " نموذجين من القصة، عملت فيهما الريشة المعجزة عملها، وهي تعرضهما عرضا أخاذا. وقد وعدنا هناك بتفصيل البحث في القصة، فلنأخذ الآن في هذا التفصيل.
أغراض القصة
سيقت القصة في القرآن لتحقيق أغراض دينية بحتة كما أسلفنا ؛ وقد تناولت من هذه الأغراض عددا وفيرا من الصعب استقصاؤه، لأنه يكاد يتسرب إلى جميع الأغراض القرآنية ؛ فإثبات الوحي والرسالة، وإثبات وحدانية الله، وتوحد الأديان في أساسها، والإنذار والتبشير، ومظاهر القدرة الإلهية، وعاقبة الخير والشر، والعجلة والتريث، والصبر والجزع، والشكر والبطر، وكثير غيرها من الأغراض الدينية، والمرامي الخلقية، قد تناولته القصة، وكانت أداة له وسبيلا إليه.
فإذا نحن استعرضنا هنا أغراض القصة القرآنية، فإنما نثبت أهم هذه الأغراض وأوضحها، ونترك استقصاءها وتتبعها :
١-بيان أن هذا القرآن عند الله تعالى وأن ما اشتمل عليه هذا القرآن من قصص للسابقين، لا علم للرسول - ﷺ - بها، وإنما علمها بعد أن أوحاها الله تعالى إليه، وأنه صادق فيما يبلغه عن ربه. استمع إلى القرآن وهو يقرر ذلك في مواطن متعددة، فيقول في أعقاب حديث طويل عن قصة نوح عليه السلام مع قومه:[﴿تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ (سورة هود: ٤٩)]