قال الإمام الداني في الأصل(١): أن الصحابة رضي الله عنهم قد عَلموا المقدار الذي أراده النبي ﷺ من رؤوس الآي وعَلموا ابتداءها وانتهاءها وذلك بإعلامه عليه الصلاة والسلام إياهم عند التلقين والتعليم برأس الآية، ثم قال: وكذلك القول عندنا في تأليف السور وتسميتها وترتيب آيها في الكتابة بأن ذلك توقيف منه عليه الصلاة والسلام وإعلام به لتوفر مجيء الأخبار بذلك [واقتضاء](٢) العاد على كونه كذلك وتواطئ الجماعة واتفاق الأمة عليه. انتهى.
ويدل لذلك كون بعض الكلمات القرآنية متشابهة(٣) لرؤوس الآي ولكن لم يعدَّها أحد رؤوس آيات وما ذلك إلا لعد التوقيف فيها ومما يؤكده(٤) أيضاً عدُّ بعضهم قوله تعالى (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى)(٥) رأس آية في سورة العلق وقوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ طَغَى)(٦) في سورة النازعات وقوله تعالى: (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى)(٧) في سورة النجم وعدَّ كلهم (وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى)(٨) في سورة الأعلى و(لَا يَصْلَاهَا إِلا الْأَشْقَى)(٩) في سورة الليل، وقد كان الأصل يقتضي أن لا يكُنَّ رؤوس آيات ولكن ورودُ التوقيف يخالف الأصل وهو عدم انقطاع الكلام في بعض والتعلق بما بعدها في بعض آخر وهذا معنى قول الشاطبي:

(١) المراد بالأصل البيان في عدِّ آي القرآن للداني مخطوط ورقة ١٠.
(٢) في نسخة (أ، ب، ج) [ وامتضاء] والصواب ما ذكرناه كما في بيان الداني ورقة ١٠.
(٣) هذا معنى البيت الأول من الأبيات الثلاثة التي سيذكرها الشارع وهو قوله (وأكده) الخ.
(٤) هذا معنى البيت الثالث الذي أوله (وعد الذي ينهى الخ).
(٥) الآية: ٩.
(٦) الآية: ٣٧.
(٧) الآي: ٢٩.
(٨) الآية: ١١.
(٩) الآية: ١٥.


الصفحة التالية
Icon