وأما الحرف فقد عرفوه بأنه الشبهة(١) القائمة وحدها من الكلمة(٢) بحيث لا يوقف عليها ولا يبتدأ بها نحو [ن ق] (٣) ف، وعلى هذا لفظ ص و ق ن اللائي في أوائل السور كلمة لا حرف لأنها(٤) يتلفظ بأسمائها وقد توسع علماء هذا الفن بجواز إطلاق الحرف على الكلمة مجازاً ثم أن اعتبار الحروف باعتبار الرسم لا باعتبار اللفظ.
فقد روى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: تعلموا القرآن واتلوه فإنكم تؤجرون بكل حرف عشر حسنات أما أني لا أقول (آلم) حرف ولكن ألف ولام وميم ثلاثون(٥) حسنة. فإنه لو كان باعتبار اللفظ لقال تسعون حسنة أن [الألف] (٦) واللام والميم تسعة أحرف في اللفظ وثلاثة في الرسم.
واختلفت أقوال العلماء(٧)

(١) سبقه إلى هذا التعريف القرطبي في تفسيره ج١ ص٥٧- الطبعة الأولى ١٣٥١هـ دار الكتب، وأبو عمرو الداني في بيانه وقال بعد أن ذكر هذا التعريف وذلك معنى ما حكاه أهل اللغة، المقطوع من حروف المعجم وقول ابن مسعود في (الم) يبين ذلك ويحققه وسيأتي لهذا التعريف مزيد من الايضاح ص١١٤.
(٢) أنظر البيان لأبي عمرو الداني مخطوط ورقة/ ٢٤.
(٣) الصواب نحو: وا، را، كما في لوامع البدر لأن ق، ن اللائي في أوائل السور كلمة مشتملة على ثلاثة أحرف.
(٤) وقال الداني في البيان: وهذه الحروف مسكوت عليها منفردة متصلة كانفراد الكلم وانفصالهن فلذلك سميت كلمات لا حروفا.
(٥) اخرجه الطبراني في المعجم الكبير ج٩ ص١٤٠ رقم ٨٦٤٩.
(٦) في نسخة ب هكذا [آلاف].
(٧) قد يقول قائل: إنه لا فائدة من حصر كلمات القرآن الكريم ومعرفة عدد حروفه وقد ورد ذلك عن بعض الفقهاء والعلماء كالإمام السخاوي حيث قال: لا أعلم لعدد الكلمات والحروف من فائدة لأن ذلك إن فاد فإنما يفيد في كتاب يمكن فيه الزيادة والنقص والقرآن لا يمكن فيه ذلك.
وأقول: لاا أنه يجب على علماء المسلمين يٌعْنَوْا عناية تامة بهذا النص القرآني الكريم ومن دقة العناية به حصر كلماته وحروفه لكي يمكنهم الرد على من يدعي من أعداء المسلمين كالشيعة وغيرهم أن القرآن فيه زيادة أو نقص، وبمثل هذه العناية نكون قد أعطينا القرآن الكريم حقه من الحفظ والاهتمام بأقدس نص ديني في حياة المسلمين، ولقد أهتم بهذا الأمر كثير من العلماء فقد ورد عدٌّه عن أبي عباس وغيره، وقد استوعبه ابن الجوزي في فنون الأفنان وأهتم به أهل الدراية والفن أيام الحجاج وغيره ويكفى في معرفة عدد حروفه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول آلم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف)).
رواه الترمذي.
ففي هذا الحديث الشريف دلالة واضحة على أهمية الحروف في نظر المهتمين بالقرآن الكريم ومن هذه الأهمية عدد حروفه وإحصاؤها وتقسيم القرآن على أساسها تقسيماً عدلاً حتى تتساوى مقادير الثواب أمام الراغبين في تحصيلها وإذا كنا نرى في عصرناً هذا إن عناية الصحفيين ومراسلي وسائل الأعلام الحديثة قد بلغت من الدقة إلى حد إنهم يحصون خطب الرؤساء والزعماء والقادة بالحرف وإنهم لا ينقلونها بنصوصها فحسب بل وبتعداد الكلمات التي صيغت منها النصوص فلا أقل من أن نشجع هذه العناية بأقدس نص سماوي في حياة المسلمين.


الصفحة التالية
Icon