أجيب بأن سبب الاختلاف أن أقوال السلف لا تخرج عن الأصلين السابقين ولا تخالفُهما لأن القرآن أُنزِل على لسان العرب وطبيعتهم وهذا الأصلان وهما رعاية التناسب وتساوي الآيات أمران مرعيان وأصلان مرغوبان فيه(١)، واجتهاد السلف مبني عليهما فإذا خالفت أقوالهم [لهما](٢) في مادة فَيَعْلَمْ الخَلفُ أن مرادهم من القول هكذا فيُؤوِّلونه ويطبقونه بهذين الأصلين ما أمكن لأن طبيعتهم كطبيعة أسلافهم وهم يثقون بهما في الأول والأخر لكونهم في هذا الشأن كالجسم الواحد يُبيِّنون ما أراده أسلافهم من المعاني على حسب مرادهم فلا يلزم منه المخالفة يضمون إلى أنفسهم ما يفهمونه من إشاراتهم ويفصلِّون ما أجملوه على مرادهم لكنهم هم الذين عرفوا وتعقَّلوا ما سموه من أقوالهم وكيف لا والصحابة رضي الله عنهم وهم أهب الفصاحة ومعدن البلاغة وقد حضروا مجالس الرسول ﷺ عند نزول القرآن ووقفوا على أسراره وتلقوه منه غضَّا طريَّا بألفاظه ومعانيه وتعلموا منه خمساً وعشراً بالرياضة والمجاهدة فالواجب على من يحضر مجالس النزول أن يتبعهم في جميع أقوالهم وأفعالهم ]ويكتسب[(٣) طبائعهم حتى يفهم مرادهم رضي الله عنهم وأرضاهم، وهذا معنى قول الشاطبي:

فإِنْ قِيْلَ كَيْفَ الخُلْفُ فِي عَدِّهَا جَرَى لَدَى خَلَفِ التَّعْدِيْدِ بَيْنَ أُولِي الحِجْرِ
فَقِيْاَ إِلَى الأَصْلَيْنِ رُدَّ اجْتِهَادُهُم لإِدْلالِهِمْ بِالطَّبْعِ فِي الوِرْدِ والصَّدْرِ
وَمِنْ بَعْدِهِم كَلٌّ عَلَيْهِم وإِنَّمَا يُحَاذُ لَهُمْ بِالْفَهْمِ عَنهُم صَدَى الفَجْرِ
(١) الضمير يعو إلى القرآن.
(٢) في نسخة (آ، ب) [بهما] وما ذكر من (ج) وهو الصواب.
(٣) في نسخة (آ، ب) [ويكسب] وما ذكر من (ج) وهو الصواب.


الصفحة التالية
Icon