ثالثها: يعني ثالث الأقوال في سورة الفاتحة أنها نزلت مرتين، وهذا القول يسلكه بعض أهل العلم صيانة لما ورد، أو صيانة للرواة؛ لئلا يحكم على بعضهم بالوهم، يعني إذا جاءت قصة بسياقين مثلاً ولو كان هذا الاختلاف من بعض الرواة، بعضهم يجبن أن يقول: وهم فلان، أو رواية فلان أرجح، لا سيما إذا كانت الرواية الثانية في الصحيح، فيقول: تعددت القصة، على سبيل المثال قصة الكسوف، كسوف الشمس في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، المقرر عند أهل العلم أنها كسفت مرة واحدة يوم مات إبراهيم ابن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن لما تعددت الصفة الذي في الصحيحين: أنه صلاها بركوعين، ركعتين كل ركعة فيها ركوعان، وجاءت في بعض الروايات عند مسلم: أنه صلاها بثلاث ركوعات وأربعة، وعند غيره بخمسة ركوعات، فقالوا: تعدد القصة، كسفت الشمس أكثر من مرة، تبعاً لهذا الاختلاف الذي وقع من الرواة، وصيانة الصحيح أمر مطلوب، لكن في مثل هذا المحفوظ عند أهل السير قاطبة أن الشمس لم تكسف إلا مرة واحدة، ولذا شيخ الإسلام -رحمه الله- يرد هذا القول بشيء من السخرية بأصحابه -رحمه الله تعالى-، يقول: "الشمس لم تكسف إلا مرة واحدة، وإبراهيم ابن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يمت إلا مرة واحدة" نعم، نعم صيانة الصحيح أمر مطلوب، لكن عند تعذر الجمع، تعذر الجمع مشكل، لا بد أن يحكم.. ، وليسوا بمعصومين، الرواة ليسوا بمعصومين، يحصل الوهم، يحصل الخطأ، ومن يعروا من الخطأ والنسيان، وحصل الوهم من بعض الصحابة، إحنا لا ندعي العصمة لأحد، فهنا يقولون: نزلت مرتين، صيانة لما ورد هذا وهذا، لكن مثل هذا.. ، ما ورد أنها نزلت في المدينة موقوف ليس بمرفوع، نعم، موقوف، فهذا على حد.... ، موقوف أيضاً على تابعي، على مجاهد، فهذا على حد علمه، هذا اجتهاد منه.
المتواتر والآحاد، والشاذ، المتواتر: ما رواه جمع تحيل العادة تواطئهم على الكذب عن مثلهم إلى أن ينتهي الإسناد إلى شيء محسوس، هذا الأصل في التواتر، فلا بد أن تكون القراءة منقولة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على قول الأكثر بهذه القيود: أن يرويها جمع عن مثلهم، وهذا الجمع تحيل العادة تواطئهم على الكذب، أو أن يحصل منهم اتفاقاً، وأن يسندوا ذلك إلى شيء محسوس، لا يكون ذلك عن طريق معقول، أو استنباط، يسندون ذلك إلى السماع من النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا التواتر ينكره بعض أهل العلم، بل ينكرون تقسم الأخبار عموماً إلى متواتر وآحاد، ويقولون: إن التواتر هذا لا يعرفه المتقدمون، وإنما دخل على علوم النقل، علوم القرآن وعلوم السنة من جهة أصحاب الأصول، وأرباب الأصول تأثروا بعلم الكلام، وإلا فالأصل أن التواتر لا وجود له، مع أن التواتر موجود في كلام أشد الناس عداوة لأهل البدع، في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، يثبت المتواتر، ويعرف المتواتر بالتعريف الذي ذكرناه، واعتمده أهل العلم، ويقسمه إلى الأقسام المعروفة عند أهل العلم، ويمثل بأمثلتهم، يمثل بأمثلتهم، ويثبت بعض القضايا بالتواتر سواءً كان اللفظي أو المعنوي، فيثبت في كل مؤلف من مؤلفاته ما يناسبه من الأمثلة.
فمثلاً في منهاج السنة يثبت فضائل أبي بكر وعمر بالتواتر المعنوي، وأن ذلك حصل في وقائع كثيرة، مجموع هذه الوقائع تفيد العلم الضروري القطعي، وإن لم تكن مفرداتها كذلك، المقصود أن الأخبار متفاوتة عند جميع العقلاء، متفاوتة فخبر الواحد ليس كخبر الاثنين، وخبر الاثنين ليس كخبر الثلاثة، وخبر الثلاثة ليس كخبر المائة فهي متفاوتة، وخبر الثقة الثبت ليس كخبر من دونه وهكذا، تختلف الأخبار قوة وضعفاً تبعاً لاختلاف الرواة كماً وكيفاً، عدداً ووصفاً، فالقراءة لا تثبت بالضعيف اتفاقاً.
يقول: "ولم يوجد لذلك إلا ﴿وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾" طيب ماذا عن قوله -جل وعلا-: ﴿اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [(٢٠) سورة البقرة]؟ هذا الحصر فيه نظر ظاهر، وفي النصوص من العمومات الشرعية ما هو باقٍ على عمومه شيء كثير، واستعرض شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- العمومات التي في سورة الفاتحة مما لم يدخلها أي تخصيص، وفي الورقة الأولى من سورة البقرة فذكر لذلك أمثلة كثيرة جداً، أما قوله: "ومثاله عزيز" فأول كلمة في القرآن الحمد فـ(أل) هنا جنسية فجميع المحامد لله ماذا دخلها من تخصيص؟ أول كلمة في القرآن، فهذا الكلام لا صحة له، وفيه نظر ظاهر، يعني لا يوجد في النصوص الشرعية من الكتاب والسنة إلا هذان الموضعان؟ آيتان فقط لم يدخلهما التخصيص والباقي كله مخصص؟ هذا الكلام ليس بصحيح، بل كثير من العمومات الشرعية لم يدخلها التخصيص.
الحمد أول كلمة في القرآن باقية على عمومها لم تخصص، جميع أنواع المحامد لله -عز وجل-، من أراد الأمثلة من سورة الحمد الفاتحة والورقة الأولى فقط من سورة البقرة واستخرج شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- من هذا الجزء اليسير من كتاب الله -عز وجل- من العمومات التي لم يدخلها أي تخصيص بوجه من الوجوه يرجع إلى مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، أنا بعيد العهد جداً، لكن نسيت الموضع، لكنه موجود في كلامه -رحمه الله-.
"الثاني والثالث: العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص" الفرق بينهما أن العام المخصوص المتكلم به يريد شمول جميع الأفراد هذا عند الكلام به، لكنه أخرج بعض هذه الأفراد بنصوص أخرى، فهو عام مخصوص يعني دخله مخصص بخلاف العام الذي أريد به الخصوص، العام الذي أريد به الخصوص المتكلم لم يرد شمول جميع الأفراد، إنما أراد بعض الأفراد، فلم يرد بذلك شمول جميع الأفراد، ولذا لا يتناول جميع الأفراد؛ لأن المتكلم لم يرد جميع الأفراد، ولذا لا يوجد مخصص.
هذه التفاسير -أعني هذين التفسيرين- إذا ضم إليهما تفسير من تفاسير المعاصرين التي هي أشبه ما تكون بالمتون التي يتربى عليها طلاب العلم كتفسير البيضاوي أو تفسير الجلالين؛ لأنه في حجمها، تفسير البيضاوي في حجم التفسيرين، تكون الأداة متكاملة على أن يقرأ في هذين التفسيرين أعني البيضاوي والجلالين بحذر، والمفترض في السائل أنه متمكن في باب.. ، لأنه يقول: عنده حصيلة في باب المعتقد عندهم مخالفات، فالصناعة اللفظية موجودة في هذين التفسيرين لا سيما البيضاوي، وعناية أهل العلم في تفسير البيضاوي ظاهرة، يعني إذا قلنا: إن عليه أكثر من مائة وعشرين حاشية هذا يدل على أن له قيمة، له قيمة عند أهل العلم، فهذه الطبقة الأولى أو البداية التي يبدأ بها طالب العلم في أول الأمر، ثم بعد ذلكم يقرأ ما هو أوسع من ذلك، فيقرأ في التفسير الأثري تفسير ابن كثير، ويقرأ أيضاً تفسير أبي السعود؛ لأنه تفسير متوسط، أما تفسير الكشاف والرازي لا ننصح بقراءتها للمتوسطين، أبي السعود أسلم منها، أبو السعود أسلم منها، ويقرأ في أحكام القرآن لابن العربي، ثم بعد ذلكم المرحلة الثالثة يقرأ في المطولات، بدأً من ابن جرير، القرطبي، البحر المحيط، الألوسي، وتفاسير المعاصرين أيضاً فيها جمع، وفيها وضوح، كتفسير القاسمي وتفسير المنار، والله أعلم، نعم.
أحسن الله إليكم: هل من أنواع النسخ نسخ القرآن بالسنة؟ وهل يوجد له مثال؟