"وينحصر في مقدمة وخمسة وخمسين نوعاً" حصر العلوم المتعلقة بالقرآن بخمسة وخمسين نوعاً؛ لأن هذا إنما ألفه على طريقة المتون المختصرة للمبتدئين، ومعروف أن أول ما يقرأه الطالب من كتب الفن ينبغي أن يكون مختصراً، ولو لم يكن شاملاً، فإذا نظرنا إلى الفنون كلها، ونظرنا اللبنات الأولى لكل فن أدركنا هذا، فهذا يصلح أن يكون لبنة أولى في علوم القرآن يتخطاه الطالب إلى ما بعده مما هو أوسع منه، إلى أن يصل إلى المطولات في هذا الفن، ولذا اقتصر على خمسة وخمسين نوعاً وترك مثلها.
يقول: "المقدمة"، مقدِمة ومقدَمة يجوز أن يقال هذا وهذا، مقدَمة لأن المؤلف يقدمها بين يدي كلامه، ومقدِمة بمعنى أنها متقدمة على الكلام.
القرآن، القرآن، القرآن أصله مصدر، قرأ يقرأ قراءة وقرآناً، يطلق ويراد به القراءة:
...................................... يقطع الليل تسبيحاً وقرآناً
يعني قراءة، ويطلق ويراد به اسم المفعول المقروء، المتلو، وهو المراد هنا.
تعريف القرآن:
"القرآن المنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-" فقوله: "المنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-" يخرج بقية الكتب السماوية، "للإعجاز بسورة منه"، ظاهر التعبير أنه إنما نزل للإعجاز فقط، لكنهم في الحدود يقتصرون من القيود على ما يفاد منه في الحد، وإلا فالقرآن نزل لإيش؟ للعمل، ليكون دستوراً، ليكون منهج حياة، لكن إنزاله للعمل أو تنزيله للعمل كونه في الحد لا يخرج السنة؛ لأنها أيضاً وحي يوحى على محمد -صلى الله عليه وسلم-، لا ينطق عن الهوى، ليعمل به، إنما جاء بأخص ما.. ، بأخص القيود التي تخرج ما عدا هذا الكلام وهو القرآن.
فلا يوجد في الكلام ما يعجز إلا ما جاء في كتاب الله -عز وجل-، "للإعجاز بسورة منه" جاء التحديث به لأفصح الناس، تحداهم الله -جل وعلا- أن يأتوا بمثله، بعشر سور، بسورة، لكن هل جاء التحدي بآية؟ جاء التحدي بآية؟
طالب:......
أين؟
طالب:......
نعم؟
طالب:......
النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد والمدينة محمة، فيها حمى، فوجدهم يصلون من قعود، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) فتجشم الناس الصلاة قياماً، فسبب الورود -وهو نظير سبب النزول بالنسبة لعلوم القرآن- أن الصلاة كانت نافلة بدليل أنهم صلوا قبل حضوره -عليه الصلاة والسلام-، ولا يصلون الفريضة قبل حضوره.
الأمر الثاني: أنها بالنسبة للقادر على القيام نافلة للقادر على القيام، فإذا صلى نافلة هو قادر على القيام له من الأجر النصف، لكن إن صلى نافلة وهو عاجز عن القيام أجره كامل، إن صلى فريضة وهو قادر على القيام صلاته غير صحيحه لحديث عمران، فقصرنا الحديث الثاني على سببه؛ لأن عمومه معارض بنص آخر، فنحتاج للتوفيق بين النصوص أن ننظر في سبب الورود أو سبب النزول كما هنا، ونسلك قصر النص على سببه لوجود المعارض.
المصنفات في أسباب النزول:
"أسباب النزول، وفيه تصانيف"، الأسباب: هي البواعث للنزول وللورود بالنسبة للحديث، وفيه تصانيف كثيرة من قبل أهل العلم، "وما روي فيه عن صحابي فمرفوع"، ما روي فيه عن صحابي فمرفوع، يعني إذا قال الصحابي: نزلت هذه الآية في كذا، أو سبب نزولها كذا فحكمه حكم الرفع، لماذا؟ لأن النزول النبي -عليه الصلاة والسلام- طرف فيه، النزول عليه، فهو ينسب شيئاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو لم يصرح برفعه، فمادام النبي -عليه الصلاة والسلام- طرف في الموضوع إذاً الصحابي ينسبه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو مرفوع، وقال بهذا جمع من أهل العلم، وإن رأى بعضهم أنه من قبيل الموقوف حتى يصرح بأن هذا هو السبب، وأنه ليس ناتج عن استنباط؛ لأنه أحياناً قد يستروح الصحابي إلى أن هذا هو السبب، وهو في الحقيقة ناتج عن اجتهاد كما يقول بعضهم.
"إن جرى مجرى التفسير وإلا فقولان" وإلا فقولان، إيش معنى: "إن جرى مجرى التفسير"؟ "فاقطعوا أيمانهما" كأن ابن مسعود فسر الأيدي بالأيمان، إن كان مراد ابن مسعود هذا وهو التفسير قبلت؛ لأن أولى ما يعتمد عليه في تفسير القرآن تفسير الصحابة، وإن كان مراده على أنها قرآن وسواءٌ قلنا: أنه قرآن ثبت بسند صحيح، كما هو الشأن في أيمانهما، أو قلنا: إن هذه القراءة الثابتة بسند صحيح دل الإجماع، إجماع الصحابة على ما بين الدفتين أنها منسوخة، هذه القراءة نقول: إنها منسوخة، ولذلك يقول: "وإلا فقولان، فإن عارضها خبر مرفوع قدم"، خبر مرفوع قدم، إيش معنى خبر مرفوع؟ يعني عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، حديث نبوي يعارض هذه القراءة الثابتة بسند صحيح عن الصحابي وهو يرفعها في الوقت نفسه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فعندنا خبر صحيح إلى ابن مسعود قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا، فقرأ كذا، نعم، بسند صحيح رويت قراءة إلى ابن مسعود إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبسند آخر صحيح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من قوله، من قوله، وحصل التعارض بين هذا وهذا ما الذي يقدم؟ نعم، هو المفترض أن كلاهما مرفوع، القراءة مرفوعة، نعم، وهذا الخبر المخالف المعارض مرفوع، لكن القراءة ما الذي جعلها أضعف من الخبر المرفوع؛ لأننا رددناها من وجه، ألسنا رددناها من وجه على أنها ليست بقرآن؟ ولذا لو قرأ بها أحد أبطلنا الصلاة، فكونها ردت من وجه يجعل الخبر المرفوع المقبول من كل وجه أرجح منها، ولذا يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "فإن عارضها خبر مرفوع قدم".
مسألة الصلاة في الأوقات التي جاء النهي عن الصلاة فيها، أوقات النهي الخمسة من طلوع الفجر حتى تطلع الشمس، ومن طلوعها حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وحين.. ، وبعد صلاة العصر حتى تتضيف الشمس للغروب، وإذا تضيفت حتى تغرب خمسة أوقات، المؤلف يريد أن يخرج الفرائض من هذا النهي، ويريد أن يقرر أن أحاديث النهي عامة وأحاديث الفرائض خاصة، ومعروف أن المؤلف من الشافعية، الذين يرون أن أوقات النهي عامة عموماً من كل وجه، وما عدا ذلك من أحاديث الفرائض، وقضاء الفوائت، وذوات الأسباب خاص، مع أنه لا يسلم لهم هذا، بل بين أحاديث ذات الأسباب وأحاديث النهي عموم وخصوص وجهي، وبسط هذه المسألة وأيضاً توضيحها يحتاج إلى وقت، وبسطت في مواضع كثيرة تراجع لها الدروس المسجلة؛ لأن بعض الناس لا سيما مع الثورة على التقليد، وهذه الثورة حصل فيها تقليد أيضاً، نعم، جعلت بعض الناس ممن يلوح له البريق، بريق الجديد ينزج يسمع الشافعية يقولون: أحاديث النهي عامة وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام وينتهي الإشكال، ويدخل قبل غروب الشمس بخمس دقائق ويصلي تحية المسجد؛ لأنه ما عنده فيه إشكال، عموم وخصوص والخاص مقدم على العام، طيب مذهب الجمهور؟ هذا قول الشافعية، لكن الحنابلة والمالكية والحنفية ماذا يقولون؟ يقولون عكس ما تقول يا أخي، أحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات، وأحاديث النهي خاصة في هذه الأوقات، فلا تصلي في هذه الأوقات، كل يدعي أن المسألة عام وخاص والخاص مقدم على العام، لكن إذا نظرنا إليها بعين البصيرة والدقة نجد أن دعوى الجميع مجموعة مضموم بعضها إلى بعض صحيحة، إذا ضمننا قول الشافعية إلى قول الجمهور طلعت دعوى صحيحة، فبينهما عموم وخصوص وجهي، عموم وخصوص وجهي، ومثلما ذكرت تقرير هذه المسألة وبسطها وإيضاحها يطول، نكتفي بهذا.
السابع: المجمل:


الصفحة التالية
Icon