ذكر الشيخ محمد عبده إجماعاً ولم يذكر دليلاً عليه فلا يعتد به. بل لم يرد ممن يعتد بإمامتهم وصلاحهم من يقول إن العقل من مصادر التشريع. وهي شائبة دخلت إلى التفسير من الفكر الفلسفي اليوناني وأخذت بها بعض فرق المسلمين منهم الشيعة والمعتزلة، وأخيراً تبنتها المدرسة العقلية الحديثة، أو المعتزلة الجدد بإمامة الشيخ محمد عبده، وسواء أكان تأثر الشيخ محمد عبده بهذه الأفكار من سياحته في الدول الأوروبية المهيمنة على بلاد المسلمين، أم تأثر بالمعتزلة، أم بالفلاسفة أم بالجميع فلا مبرر يقبل شرعاً. وهي تعني في أبسط معانيها أن يكون العقل نداً للشرع بل حكماً عليه وهذا يتناقض مع عقيدة الإسلام.
القول بانتهاء مهمة الدين بكمال الرسالات وحصول الإنسان على استقلال الإرادة واستقلال الرأي والفكر وبهما كملت له إنسانيته قول يناقض الأدلة القطعية الثبوت والدلالة منها: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيرة من أمرهم ﴾ (١). ومنها: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ﴾ (٢).
ما قاله الشيخ طنطاوي جوهري لا يمت للآية بصلة لا من قريب ولا من بعيد، ولكنه أفرغ ما في قلبه متبعاً شيخه بالقول باستغناء البشرية عن الرسل. ورأى أن الحكماء أشرف وأرقى من الرسل، ورأى أن الخلف الحاضر الذي يتبع الحكمة خير من السلف الصالح الأقربين. وهو أقرب للفلاسفة منه للمسلمين، ثم توصل إلى إلغاء العمل بالقرآن ونسيانه بتشكيل مجلس عام من الحكماء الذين تعلموا العلوم التجريبية لينظروا في شؤون المسلمين في أنحاء المعمورة، وهذه كلها شوائب لا تستند إلى دليل ولا تستحق المناقشة.

(١) سورة الأحزاب، من الآية ٣٦.
(٢) سورة القصص، الآية: ٦٨.


الصفحة التالية
Icon