…وهكذا نرى شوائب التفسير اقتنص فيها رأي شاذ شارد وصُيّر صواباً بل أصوب من الرأي الذي أجمع عليه أهل التفسير وأرباب السير، وكفى بشوائب التفسير شذوذاً ما حدد فيها من مقياس لتمييز الحق من الباطل بدل نصوص القرآن الكريم فقال الشيخ محمد عبده: "ولو أن نفساً مالت إلى قبول التأويل لم تجد في الدين ما يمنعها من ذلك، والعمدة على اطمئنان القلب وركون النفس إلى ما أبصرت من الحق"(١).
…وفي هذا القدر غنية للوقوف على شوائب التفسير في الإيمان بالملائكة، والمسلم الصادق في إيمانه لا يمكن أن يقبل أن تحل القلوب والنفوس محل نصوص رب العالمين في الحكم على المغيبات التي لا تقع تحت حس الإنسان.
البعث وعلى أي صورة يقع:
…يرى د. عبد الكريم الخطيب أن البعث يكون بالروح فقط دون الجسد، وأن الإنسان يتغير يوم البعث تغيراً يتناسب مع الواقع الجديد، فيصير كائناً روحانياً محلقاً فوق هذا العالم الأرضي. ويشبه الإنسان بالفراش حقيقة، ويرى أن هذا التشبيه من إعجاز القرآن. ويشبه الكفار والضالين بالجراد. هكذا يرى الخطيب بعث الناس. ويرى أن تبديل الأرض يقع في إحساس الإنسان نفسه. وفي معطيات بصره، وكذلك يرى البحار وكأنها قد فجرت، ويرى الجبال وكأنها قد سيّرت، وكذلك السماء تبدو له في دنياه سقفاً مصمتاً، ويراها يوم القيامة قد فتحت فكانت أبواباً، وكانت فروجاً(٢). قال د. الخطيب: "ومن إعجاز القرآن الكريم أن الفراش تمثل الدوْرة الإنسانية من مولده إلى مماته، إلى بعثه من مقبره، إلى طيرانه، إلى محشره...
فهي تكون بيضة.. على حين يكون الإنسان نطفة..
تكون دودة.. على حين يكون الإنسان وليداً يتحرك في الحياة أشبه بالدودة.
ثم تكون عذراء داخل شرنقة.. على حين يكون الإنسان مقبوراً في جَدَثه.
(٢) هذه الصورة مقتبسة من تفسير الخطيب من ألفاظه بعينها.