…ثم قال: "وأكاد أقول إن الناس سيكونون يوم القيامة على صورة الفراش حقيقة لا تشبيهاً وذلك لهذا التوافق العجيب الدقيق بين الصورتين، صورة الفراش الحشري، وصورة الفراش البشري، في الملامح، والألوان والظلال.. ويتأكد هذا المفهوم، إذ نجد القرآن الكريم يلتزم هذا التشبيه في معرض آخر، من معارض البعث والنشور، فيقول سبحانه: ﴿ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ ﴾ (١). فالجراد المنتشر، والفراش المبثوث صورتان متماثلتان في مرأى العين، وفي أطوار الحياة يتنقل فيها كل من الفراش والجراد"(٢).
…وقال عن أحوال الإنسان ﴿ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ ﴾ (٣). نجد في هذا إشارة إلى ما يقع لبصر الإنسان من تحوّل يزداد به قوة خارقة في مجال الرؤية. ﴿ لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ (٤). هذه صورة مجملة للإنسان يوم القيامة، ولموقفه من الموجودات في هذا اليوم، فهو كائن سابح في عالم علويّ، قد يبلغ في سبحه هذا مدارج الكواكب والنجوم، ثم هو في هذا العلو السحيق يملك بصراً حديداً كاشفاً لا يمكن تصوره، ومن هذا الأفق العالي، وبهذا البصر الحديد النافذ، ينظر الإنسان إلى هذه الأرض التي كان يعيش فيها.. فيرى الأرض غير الأرض، والسماء غير السماء.." (٥). وقال: "تلك هي السماء كما يراها الإنسان، ويختبر تصعيده فيها، أما هي في حقيقتها فهي هي لم تتبدل ولم تتحول"(٦).
(٢) التفسير القرآني للقرآن، م١٤، ٧/٥٥٣.
(٣) سورة القيامة، الآية: ٧.
(٤) سورة ق، الآية: ٢٢.
(٥) التفسير القرآني للقرآن، م١٤، ٧/٥٥٣.
(٦) ص ٥٥٧، المصدر السابق نفسه.