…وقال: "أما الجنة والنار فهما حالتان، لا مكانان، ووصفهما في القرآن تصوير حسّي لأمر نفساني أو لصفة أو حال. فالنار في تعبير القرآن ﴿ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ﴾ (١). هي إدراك أليم لإخفاق الإنسان بوصفه إنساناً، أما الجنة فهي سعادة الفوز على قوى الإنحلال وليس في الإسلام لعنة أبدية. ولفظ الأبدية الذي جاء في بعض الآيات وصفاً للنار يفسره القرآن نفسه بأنه حقبة من الزمان ﴿ لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا ﴾ (٢). والزمان لا يمكن أن يكون مقطوع النسبة إلى تطور الشخصية انقطاعاً تاماً، فالخلق ينزع إلى الاستدامة، وتكييفه من جديد يقتضي زماناً. وعلى هذا فالنار كما يصورها القرآن ليست هاوية من عذاب مقيم بسلطة إله منتقم، بل هي تجربة للتقويم، وقد تجعل النفس القاسية المتحجرة تحس مرة أخرى بنفحات حيّة من رضوان الله، وليست الجنة كذلك إجازة أو عطلة، فالحياة واحدة ومتصلة والإنسان يسير دائماً قدماً، فيتلقى على الدوام نوراً جديداً من الحق غير المتناهي الذي هو ﴿ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ (٣).. ومن يتلقى نور الهداية الإلهية ليس متلقياً سلبياً فحسب، لأن كل فعل لنفس حرّة يخلق موقفاً جديداً. وبذلك يتيح فرصاً جديدة وتتجلى فيها قدرته على الإيجاد"(٤).

(١) سورة الهمزة، الآيات: ٦-٧.
(٢) سورة النبأ، الآية: ٢٣.
(٣) سورة الرحمن، الآية: ٢٩.
(٤) ص ١٨٥-١٨٦، المصدر السابق، وانظر تجديد الفكر الديني في الإسلام، لمحمد إقبال، ١٣٤-١٤١، وانظر الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، د. محمد البهي، ص ٣٩٨-٤٠٠، مكتبة وهبة بمصر ١٩٧٥م.


الصفحة التالية
Icon