…مما سبق ندرك أن محمد فريد وجدي ممن يناصرون نظرية النشوء والارتقاء، أو نظرية الخلق المستقل، أي بلا خالق، ويراها أقرب إلى العقل والعلم، وإن كان لا يجزم بها فلأن منظِّميها أنفسهم لم يجزموا بها، ولأن، ثورة المسلمين عليها عارمة. ودعا إلى التأويل والأخذ بما سماه روح النصوص، والباطن حتى تنسجم النظرية مع نصوص القرآن الكريم، وقد أورد عليها إشكالات في دائرة معارفه، ولكن أتبعها بردود عليها أعلى فيها شأن النظرية. وزعم أن مجابهة النظرية تدل على الجمود على العقيدة. وأن التمسك بالنظرية هو الطريق العلمي الفذ الذي تدرك به حقائق الخليقة وأدوار التكوين الطبيعي. ويفهم من هذا أن للقرآن طريقاً دون هذا الطريق في إدراك حقائق الخليقة. وأن القول بأن المخلوقات لم توجد تدريجياً بل بأمر من خالق الكون وبسرعة تنفيذ الأمر الإلهي، وأن هذا القول لا يبرز الدليل الحسّي في يوم من الأيام، فيبطلها، ويزعزع هذه العقيدة الجامدة (الثابتة)، وامتدح القائلين بنظرية دارون، ووصفهم بالذين هداهم الله بنور العلم وبث فيهم روح الإسلام بمعناه الحق. كما وصف الملتزمين بنصوص القرآن بأنهم الواقفون مع العادات والظواهر. ودعا علماء المسلمين لمشاركة العصريين في أبحاثهم ونتائجها، ولا يكونوا من المشككين، وأشار عليهم بالتأويل (التحريف) للتخلص من معارضة النظرية لنصوص القرآن الكريم، وجعل التأويل هو العلاج الناجح لما يناقض ظاهرها نظرية الخلق المستقل. ومن يجل النظر في جميع ما صدر عن محمد فريد وجدي يجده من الشوائب التي لا تمت للتفسير بسبب ولا بنسب، فهو مما لم تحتمله نصوص القرآن، بل مما يعارضه تماماً.
٣- د. عبد الكريم الخطيب في نظرية النشوء والارتقاء: