…وفلسفة جمال الدين أن الشجرة حيوان قطعت رجلاه وساخت في الأرض. وأن الحيوان شجرة لها أقدام تسير عليها. وقد مدح الدكتور شبلي شميل لجرأته في الصدع بنظرية النشوء والارتقاء فيعد هذا المدح مؤشراً على استحسانه لها. وأما ردّه عليها أو بيان سلبياتها فهذا قدر مشترك بين أتباعها ومعارضيها على سواء.
…إن المؤسس للشوائب في هذه المسألة في القرن الرابع عشر الهجري هو جمال الدين وتبعه خليفته محمد عبده ومحمد رشيد رضا، وكان الباقون تبعاً لهم. وعندما أنظر للمسألة فإني أنظر إليها من زاوية هل هي تفسير أولا ؟ ثم ما هو موقف الإسلام منها؟ وأما ما قيل فيها إنه تفسير فالمنصف لا يعدّه تفسيراً البتة لأنه لم يعتمد على لغة الشرع، ولا على علومه. والتفسير هو بيان معاني كلام رب العالمين. فمن الحيف على القرآن أن نعد ما زعم في نظرية النشوء والارتقاء أنه بيان لكلام رب العالمين، ونحن نعلم علم اليقين أن القرآن لم يأت لبيان تاريخ بدء الخليقة وتكوين السماوات والأرض، ولا لتفصيل نشوء الحياة على الأرض. والقَبْليَّة والبَعْديَّة الواردة في القرآن ظنية الدلالة لأن الظرفية تحتمل الزمان والمكان والذكر. وكذلك نسبة التراخي في حروف العطف، وتراوحه بين التراخي الرتبي والزمني، ومع ذلك ينبغي أن يكون تفسيرها محكوماً بقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ (١). والفاء للتعقيب وليس للتراخي، ويجب أن تحمل ألفاظ القرآن الكريم على ظاهرها إلا إذا وردت قرينة تصرفه عن المعنى الظاهر، وعلينا أن نتحاشا التأويل (التحريف) الذي تزل فيه الأقدام والأقلام.

(١) سورة البقرة، الآية: ١١٧.


الصفحة التالية
Icon