…ثالثاً: إن اليهود الذين كانوا حافّين حول المدينة كانوا مجتمعاً مغلقاً لا ينشرون ما فتحه الله عليهم لغيرهم. وهم يتلاومون فيما إذا فرّط بعضهم بشيء مما عنده لغيره. ﴿ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ ﴾ (١).
…رابعاً: إن التراث الأدبي الجاهلي لم ينقل لنا قصصاً عن الغابرين مما يدل على عدم تداوله بينهم، وعدم ذيوعه، وما المعلقات عنا ببعيد، فلم يبلغنا صراعٌ بين الثقافة الوثنية والنصرانية واليهودية ولم يبدأ الصراع الفكري إلا بعد مجيء الإسلام.
…خامساً: إن العرب الذين تنصروا أو تهوّدوا قبل مجيء الإسلام كانوا منعزلين عن مجتمعهم. فضلاً عن عدم ورود أسماء ما يتجاوز أصابع اليدين، ومنهم ورقة بن نوفل، ولا علم لنا بأنهم كانوا يقرأون ويكتبون حتى نحكم بنشرهم لتفصيلات التوراة والإنجيل. ولذلك نقول صدق رب العالمين وكذب المتقولون بما يناقض الآيات الكريمة.
…وأما النقطة الثانية عند دروزة، فورود القصة في القرآن للعظة لا يعني بحال من الأحوال أنها ليست بحق، أو أنها لم ترد للإيمان بها، أو حسب مصطلح دروزة "من الوسائل التدعيمية". ويدحضه قول الله تعالى: ﴿ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ ﴾ (٢). وقوله: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ﴾ (٣). وقوله:
﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ﴾ (٤). وقوله: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ﴾ (٥). وعليه فإن ما جاء به محمد عزت دروزة في تفسيره بشأن قواعد تفسير القصة شوائب محضة لا تمت للتفسير بصلة، وهي تناقض ما جاء به القرآن فتمس عقيدة معتقدها.
وفي هذا القدر كفاية لبيان شوائب التفسير في القصص القرآني في القرن الرابع عشر الهجري، ومَنْ يحرص أن لا يقع في شرك الشوائب في تفسير القصص في القرآن عليه أن يتقيد بضوابط التفسير. وأن لا يفرق بين نصوص الوحي سواء تعلقت بالأوامر أو بالنواهي، أو بالقصص والأخبار. وعليه أن يراعي قدسية القرآن الكريم.

(١) سورة البقرة، الآية: ٧٦.
(٢) سورة الأعراف، الآية: ٧.
(٣) سورة الكهف، الآية: ١٣.
(٤) سورة آل عمران، الآية: ٦٢.
(٥) سورة يوسف، الآية: ٣.


الصفحة التالية
Icon