…فمن أصدق قيلاً يا ترى الإمام السرخسي أم الشيخ رشيد؟! الإمام السرخسي يقول فإجماع التابعين رحمهم الله بعده –أي بعد ابن عباس- يرفع قوله. ولهذا قال لا يعتد بقول ابن عباس بإباحة ربا الفضل. على فرض عدم رجوعه. أما وقد رجع فالحق أحد أن يتبع. وجمهور الصحابة وجمهور التابعين اجتمعوا على تحريم ربا الفضل ولا فرق في تحريمه بينه وبين ربا النسيء.
ز- وأما قوله اختلف الفقهاء فكان اختلافهم ليس في التحريم البتة، وإنما كان في تعدية الأصناف الستة إلى غيرها فمن قائل بالقصر عليها، ومن قائل تعدى بالوصف، ومن قائل تعدى بالعلّة، واختلفوا في تحديد العلة. هذا هو اختلاف الفقهاء الذي اطلعت عليه في المسألة. قال السرخسي: "وتأويل حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنه - أن النبي - ﷺ - سئل عن مبادلة الحنطة بالشعير، والذهب بالفضة فقال النبي - ﷺ -: (لا ربا إلا في النسيئة)، فهذا بناء على ما تقدم من السؤال فكأن الراوي سمع قول رسول الله - ﷺ - ولم يسمع ما تقدم من السؤال أو لم يشتغل بنقله.
…وأما المعنى فنقول اتفق فقهاء الأمصار رحمهم الله على أن حكم الربا غير مقصور على الأشياء الستة وأن فيها معنى يتعدى الحكم بذلك المعنى إلى غيرها من الأموال إلا داود من المتأخرين وعثمان البتي من المتقدمين فإن داود يقول حكم الربا مقصور على هذه الأشياء الستة لأنه لا يجوز قياس غير المنصوص على المنصوص لإثبات الحكم. وعند فقهاء الأمصار رحمهم الله القياس حجة لتعدية الحكم الثابت بالنص، والبتي يقول بأن القياس حجة ولكن من أصله أن لا يجوّز القياس على الأصول إلا أن يقوم دليل في كل أصل على جواز القياس عليه ولم يقم ذلك الدليل هنا"(١).

(١) المبسوط للسرخسي، ٦/١١٢، طبعة دار المعرفة.


الصفحة التالية
Icon