…والأولى بالزمخشري أن يقول في شأن آيات العتاب أنها وردت لمخالفة رسول الله - ﷺ - الأولى. فلم يرد عنه - ﷺ - أنه فعل مكروهاً فضلاً عن أنه لم يترك فرضاً ولم يعمل حراماً. والخطاب في العتاب من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين ليس غير، وخطاب الله للنبي خطاب الخالق لمخلوق أي لعبد من عباده فلا محظور أن يرد بأية صيغة يشاء رب العالمين. ولكن المحظور كل الحظر أن يرد من الزمخشري، أمير البلاغة والبيان، وملك علوم المعاني والبديع أن يقول في حق الرسول - ﷺ - "جناية، بئس ما فعلت، زلة، قلب مصلحة مفسدة، ما فرط منه، توبيخ" فمقام النبوة يقتضي معه الأدب الجم.
…هذه مثالب سبعة رئيسية شابت تفسير الكشاف ومثلت فكر المعتزلة كان منشؤها جعل السيادة للعقل، أو إن شئت فقل جعل العقل مصدراً من مصادر التفسير. قال صاحب الكشاف عند قوله تعالى: ﴿ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ (١): "يحتاج إليه في الدين لأنه القانون الذي تستند إليه السنة والإجماع والقياس بعد أدلة العقل"(٢). أي أن الزمخشري يقدم العقل(٣) على بقية مصادر التشريع، وهذا هو موطن الزلل، ومكمن الخطر في إعلاء شأن العقل على الشرع.
…هذه هي أهم شوائب التفسير في فكر المعتزلة من أقوالهم لا مما قيل عنهم، وبذلك نكون قد وصلنا إلى نهاية المطاف في بيان شوائب التفسير قبل القرن الرابع عشر الهجري (العشرين للميلاد). وأسأل الله أن أكون قد وفقت في إلقاء الضوء على هذه الشوائب عند أصحابها دون تجن أو تزوير عليهم.
(٢) ٤/١٢٥، تفسير الكشاف، طبعة دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ.
(٣) نذكر بمقولة الزمخشري في هامش الأحاديث الصحيحة: المقالة ٣٧، في كتاب أطواق الذهب في المواعظ والخطب.