…وقال: "فهكذا هنا في الحكمة فإنها قد أصبحت جزءاً من ديننا وليس ينقصنا إلا المجالس العامة"(١). وهذا القول يفضي إلى القول بإلغاء القرآن الكريم ونسيانه وتركه. وأجاب الشيخ عن هذا التساؤل؟ فقال: "ولعلك تقول إذا كل مسلم له الحق أن يتبع أي حكمة وينسى القرآن؟ أقول لك: أنسيت قوله تعالى: ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ (٢). ليكن هناك مجلس عام في مكة وغيرها. وهذا المجلس لا يصح التئامه إلا بعد شيوع العلوم العامة في بلاد الإسلام. وهذا المجلس ينظر في الأمور العامّة لأمم الإسلام، ولا يصلح لهذا المجلس إلا من قرأ فوق علوم الإسلام علوم الأمم والرياضيات والطبيعيات لا غير، لأن الذين لا يقرؤون تلك العلوم يجهلون نظام الله ونظام الأمم. والجاهلون بذلك لا يصلحون للقيادة في هذه الشعوب. وهؤلاء الأعضاء ينتخبون من المجالس العلمية الخاصة في كل إقليم من أقاليم الإسلام، فهؤلاء هم الذين لهم الرأي الحق: وهم هم الحكماء الذين قال الله فيهم: ﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ (٣). وهذا الخير الكثير يفيض منهم على الناس"(٤)
(٢) سورة الشورى، من الآية ٣٨.
(٣) سورة البقرة، من الآية ٢٦٩.
(٤) جوهري، طنطاوي، الجواهر في تفسير القرآن الكريم، ٨/١٥، ١٥٣، وقال تحت عنوان "مجلس عام في الإسلام: على المسلمين جميعاً في أقطار المسكونة أن يكون لهم مجلس عام يجمع أكابر القوم من سائر المذاهب والشيع والطوائف. ويعرض عليه كل ما فيه خلاف من معاملات أو عبادات. ويكون هذا المجلس له القول الفصل. وهذا المجلس دائماً تعرض عليه المسائل كل حين، ويبقى مع الدهر ما دامت السموات والأرض ودين الإسلام. وهناك نكون حقاً قد عملنا بقوله تعالى: ﴿ وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ ﴾ (آل عمران: من الآية ٦٤)، انظر م١، ٢/١٣٦، المصدر السابق نفسه.