ثانياً: إن أحكام الإسلام على الأفعال وعلى الأشياء ثابتة لا تتغير بتغير الأمكنة والأزمنة. وينكر كل الإنكار على من يقولون بعكسها لأن في ذلك مخالفة للإسلام مخالفة كلية، بل يعصف بأصول الإسلام وفروعه، ويقضي على تشريعه، ويطمس معالمه. وقد نشأت قاعدة لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان في خضم الانحطاط الفكري عند المسلمين في أوائل القرن التاسع عشر، وغذاها الاستشراق –طلائع الاستعمار- وتبنتها الدول التي أسسها الاستعمار فطغت وعمت بها البلوى حتى ظنها بعض المخلصين قاعدة شرعية، وما هي من الإسلام في شيء، بل تناقض الإسلام وتعارضه، وتقلل من شأن قدسية ثبات أحكام رب العالمين. فالربا حرام منذ أن نزلت آية الربا، وسيبقى محرماً إلى يوم القيامة. والزنا وموالاة الكافر المحارب والنحت والرسم لذي روح كان محرماً في عهد رسول الله - ﷺ - وسيبقى محرماً إلى قيام الساعة. فإذا فرض علينا نظام عيش الغرب وطريقتهم في الحياة فلا يحل لنا أن نجاريهم ونقول بإباحة النحت والتصوير. فالإسلام له طريقة في العيش خاصة، ومحدودة حددها الشرع، ومميزة كل التميز عن طرق العيش الوضعية وتبقى هذه كذلك إلى قيام الساعة.
وأما شبهة أن عمر بن الخطاب لم يقطع يد سارق في عام الرمادة، ولم يخرج سهم المؤلفة قلوبهم من مصارف الزكاة فهذه شبه لا تنهض أمام الأدلة. وواقعها أن من سرق لم تنطبق عليه شروط القطع حتى تقطع يده. وكذلك المؤلفة قلوبهم لم تنطبق عليهم مواصفات القوم الذين يستحقون سهم الزكاة وليس تبديلاً وتغييراً لأحكام الله من عمر بن الخطاب رضي الله عنه. والمسلمون مقيدون بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله، ولا يلتمسون شبهاً للتفلت من عقال الإسلام.


الصفحة التالية
Icon