…ولم يكن حكم رسول الله - ﷺ - ثيوقراطياً بل كان حكماً بشرياً يستند إلى الشرع. وله السلطان والإمارة العامة. ولكن السيادة لله وحده بما ينزل عليه - ﷺ - من وحي. وكان - ﷺ - يشاور أصحابه في أمور السياسة العامة مما هي لرئيس الدولة. ومذهب الحق الإلهي لا مشورة فيه لأنه يعتقد أنه من الله. فلا يستشير أحداً. والرسول - ﷺ - أخذ البيعة من الناس في العقبة مرتين، وفي الحديبية. وكما ورد في الأحاديث الصحيحة من عبادة بن الصامت قال: (بايعنا رسول الله - ﷺ - على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا) (١). ومذهب الحق الإلهي لا بيعة فيه لأنه يعتقد أن الحاكم ظل الله في الأرض(٢). فإذا كان هذا الأمر لم يكن في حق الرسول - ﷺ - فهو في حق من سواه أبعد، وعليه فالحكومة في الإسلام ليست إلهية. ولا قداسة لها، ولا عصمة للخليفة، وسيحاسبه الله حساباً عسيراً إن شق على الأمة، أو ظلمها، وعلى الأمة أن تحاسبه بالقول والنصح له دون مهابة. وقد شجع الإسلام على هذه المحاسبة وجعل ثوابها من أعظم الجهاد لقوله - ﷺ -: (إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر) (٣). وإذا استمر الأمير في مخالفته للشرع وأصر عليه وأظهر الكفر البواح فيجب تقويمه بقوة السلاح كما ورد في الحديث الشريف (إلا أن تروا كفراً بواحاً لكم فيه من الله برهان) (٤)

(١) رواه مسلم في كتاب الإمارة، وقد مرّ.
(٢) ننوه إلى ما قاله الشيخ حسن البنا بأن الخليفة ظل الله في الأرض، مجموعة رسائل حسن البنا، ص١١٥. وقد ذكرناه قبل قليل، فلا أصل لهذا الرأي في الإسلام، ولا مستند عليه من الشريعة.
(٣) رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب من هذا الوجه. وفي الباب عن أبي أمامة. رقم ٢٢٦٥، ٣/٢١٨، باب ١٢، أبواب الفتن، أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر.
(٤) رواه مسلم في كتاب الإمارة.


الصفحة التالية
Icon