عقوبة المفسدين في الأرض:
… ﴿ إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ (١) يرى الشيخ محمد عزت دروزة أن الآيتين تحتويان تقريراً إنذارياً وتشريعاً والإنذار من الوسائل التدعيمية(٢). واستبعد دروزة أن تكون الآيات نزلت في رهط بدو عكل وعرينة، وقال: "فمن المحتمل أن يكون وقع في ظروف نزول الآيتين فالتبس الأمر على الرواة ونقلوا أنهما نزلتا بصدده، ومن القرائن على ذلك أنه ليس في الآيتين عقوبة تسميل الأعين التي ذكرت الروايات. ومنها رواية البخاري أن النبي - ﷺ - أوقعها عليهم". ويركز الشيخ دروزة على مسألة تشريع نبوي وتشريع قرآني. لأنه يرى أن أي أمر يصدر عن الرسول - ﷺ - لا يكون ملزماً ولو كان فرضاً مجمعاً عليه ومنه رجم الزاني المحصن. مع أنه في الوقت نفسه يقبل ما عليه المجتمعات الحاضرة لأن تكون تشريعاً، ومنها: استبدال عقوبة التقتيل أو الصلب الواردة في الآية بالإعدام شنقاً، فقال: "ولعل مما يصح أن يزاد عليها احتمال كونها بمعنى الشنق حيث جرت العادة من قديم على إعدام المجرمين شنقاً". بل أكثر من ذلك فقد جعل العقوبة الواردة في القرآن والاستثناء هو لمن تاب قبل القدرة عليه كما هو صريح الآية. وقد سكتت الآية عمن تاب بعد القدرة عليه ولعل حكمة التنزيل اقتضت ذلك ليبقى الإنذار قوياً فعالاً. وتركت للنبي - ﷺ - وولي الأمر من بعده بالتصرف وفق ما تقضي به المصلحة
(٢) دروزة، محمد عزت، التفسير الحديث، ١١/٩١