تعرض البحث في المباحث السابقة لأهم معالم العناية بالقرآن الكريم في المغرب العربي، وهي مباحث شخصت هذه العناية وطرقها ومهدت في الوقت نفسه لاستخلاص الصورة التي وصل إليها هذا التعليم في المغرب العربي في العصر الحديث، وتتضمن الصورةَ المقترحةَ التي يمكن أن يسار عليها من حيث العموم في تدريس القرآن الكريم، فوجود المدارس العلمية لتدريس كتاب الله عز وجل في بلاد المغرب العربي منذ إنشاء جامع القيروان سنة ٥١ هـ حتى عصرنا الحاضر بمراحلها العلمية المختلفة ومستوياتها في التدريس وطرائق علمائها فيه يمكن أن يثمر طريقة متكاملة في هذا الصدد يمكن أن تتلخص فيما يلي :-
١ - التلقين المبكر : وهي ظاهرة أصيلة عريقة لا تختص بالمغرب العربي وحده، فيقول ابن العربي نفسه: ((حذقت القرآن الكريم وأنا ابن تسع سنين ثم ثلاثاً أضبط العربية والحساب، فبلغت ستة عشر سنة وقد قرأت من الأحرف - أي القراءات - نحواً من عشرة بما يتبعها من إظهار وإدغام ونحوه وتمرنت في الغريب والشعر واللغة))(١).
وقد مر بنا بيان أبي زيد القيرواني للفائدة التربوية من حفظ القرآن الكريم في الصغر، ويضيف إلى ذلك العلامة ابن خلدون أن من فوائده ((ما يعرض للولد من جنون الصبا من الآفات والقواطع عن العلم فيفوته القرآن لأنه ما دام في الحجر منقاد للحكم فإذا تجاوز البلوغ وانحل من ربقة القهر فربما عصفت به رياح الشبيبة فألقته بساحل البطالة))(٢).
(٢) …المقدمة ص٤٤٩.