ولم يكن هذا تقليلاً من شأن القراء الكبار من الصحابة والتابعين الذين علموا أهل المغرب القرآن الكريم(١)، وإنما كان اتباعاً للسنة المباركة في بعث المعلمين إلى البلاد الإسلامية لتعليمهم أمور الدين وتخصيصاً للمعلم المسؤول أمام الأمير عن أدائه لهذه الرسالة، ومن ثم حرص القادة الفاتحون على تخصيص رجال بأعيانهم لتعليم الناس القرآن والفقه في الدين، فجعل عقبة بن نافع الفهري على رأس من تركهم في بلاد المغرب شاكر بن عبدالله الأزدي، وندب موسى بن نصير بضعة عشر رجلاً من القراء الفقهاء يعلمون المغاربة القرآن، إلا أن صورة البعثة تتمثل بشكل واضح في بعثة عمر بن عبدالعزيز إلى المغرب العربي لإقرائهم القرآن وتعليمهم الإسلام، وقد نص على ذلك أبو العرب القيرواني في كتابه ((طبقات علماء أفريقيا)) إذ قال :((قد حدثني فرات بن محمد أن عمر بن عبدالعزيز أرسل عشرة من التابعين يفقهون أهل إفريقيه))(٢)، وإذا كان تعبير أبي العرب يخص هؤلاء العشرة بتفقيه أهل أفريقيه إلا أن إقراء أهل أفريقيه كان هدفاً لهذه البعثة، وذلك لأن هؤلاء العشرة كلهم قراء للقرآن كما أن أحدهم وهو جعثل بن هاعان الرعيني المصري قد أقرأ القرآن بالمغرب العربي حتى عبر بعض المؤرخين بأن عمر بن عبدالعزيز أرسله إلى أهل المغرب ((ليقرئهم القرآن))(٣).

(١) …من هؤلاء عبدالله بن عمر وعبدالله بن عمرو وسليمان بن يسار وعكرمة مولى ابن عباس وعبدالرحمن بن الأسود المدني. (انظر القراءات في أفريقيا ص ٩٧-١٢٢).
(٢) …طبقات علماء إفريقية لأبي العرب القيرواني ص٨٤.
(٣) …ينظر: الإكمال لابن ماكولا ٢/١٠٧، وتهذيب التهذيب لابن حجر ٢/٧٩.


الصفحة التالية
Icon