كان لبلاد الشام أسلوب مميز وفريد في تعليم القرآن الكريم، ومن ذلك:
[أن المقرئ يُقسِّمُ تلاميذَهُ إلى مجموعات، وعلى كل مجموعة عريف، ويقوم العريفُ بقراءة القرآن على تلاميذه سورةً سورةً، وهم يُعيدون ما سمعوا منه، ويحفظون عنه، فإن أخطأ أحدهم سأل عريفه، وإذا أخطأ عريفُهم سأل شيخَه.
ومن أعمال العريف أنه يمتحن تلاميذَهُ بعد أن يختموا القرآن، فإذا أيقن العريف أن أحد تلاميذه قد أتقن القرآن، قدَّمهُ إلى الشيخ، فأجازَهُ، ويصبح عريفاً على حلقته(١).
قال مُسلم بن مُشكِم الدمشقي: وهو يتحدث عن أبي الدرداء رضي الله عنه الصحابي الجليل الذي شارك غيرَهُ من صحابة رسول الله - ﷺ - في نقل القرآن الكريم إلى بلاد الشّام: قال لي أبو الدرداء: أعدُدْ من يقرأ عندي القرآن؟ فعددتُهم ألفاً وستمائةً ونَيْفاً، وكان لكل عشرة منهم مقرئ، وأبو الدرداء يقوم عليهم قائماً، وإذا أحكم الرجلُ منهم تحوَّلَ إلى أبي الدرداء(٢).
وقال ابن الجزري(٣) في النشر ٢/٢٦٤: ((لقد بلغنا عن هذا الإمام [ابن عامر] أنه كان في حلقته أربعمائة عريف يقومون عنه بالقراءة)).
وتجدر الإشارة إلى أن أهل الشام قد تميزوا بقراءة الجماعة سُبْعاً من القرآن بالتكرار وراء قارىءٍ في مجلسٍ واحد](٤).
المطلب الثالث: مدارس ودُور القرآن الكريم، في بلاد الشام
(٢) غاية النهاية ١/٦٠٦.
(٣) ابن الجزري: هو أبو الخير شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن الجزري الدمشقي، ثم الشيرازي، الإمام المحقق، ولد سنة ٧٥١ه، قرأ على كثير من علماء عصره منهم: عبد الوهاب بن السلار، وأحمد بن إبراهيم الطحان، توفي سنة ٨٣٣ه. ينظر: غاية النهاية ٢/٢٤٧-٢٥١، إنباء الغمر بأبناء العمر لابن حجر ٣/٤٦٦.
(٤) ينظر: القراءات القرآنية في بلاد الشام ص ٢٧.