ومثل هذا صنيع ابن الأثير في كتابه " النهاية " وقال في باب "الباء مع الواو" "بوأ" "أبوءُ بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي" "أي التزم وأرجع وأُقِرُّ، وأَصْل البواء اللزوم ومنه الحديث: " فقد باء به أحدهما " أي التزمه ورجع به. ومنه حديث وائل بن حجر: "إن غَفوتَ عنه يبوء بإثمه وإثم صاحبه " أي كان عليه عقوبة ذنبه وعقوبة قتل صاحبه، فأضاف الإثم إلى صاحبه، لأن قتله سبب لإثمه. وفي رواية " إن قتله كان مثله " أي في حكم البواء وصارا متساويين لا فضل للمقتص إذا استوفى حقه على المقتص منه (١).
ويستمر ابن الأثير في هذا الحال، يعرض الأحاديث المختلفة التي استعملت فيها مادة " بوأ " شارحاً مفسراً معانيها المختلفة، ذاكراً لغاتها بحسب ما وردت في حديثه (ص)، كما في الحديث " عليكم بالباءة " يعني النكاح والتزوّج. يقال فيه الباءة والباء، وقد يقصر، وهو من المباءة : المنزل، لأن من تزوج امرأة بوّأها منزلاً، وقيل لأن الرجل يتبوأ من أهله يستمكن كما يتبوأ من منزله (٢).
ولم يذهب أصحاب "غريب اللغة " مغاضبين رافضين منهج أصحاب غريب القرآن وغريب الحديث، بل ساروا على هديهم، ففسروا ألفاظ العربية من دون قصد تمييز بين عربي فصيح أو نادر غريب، يشفع ذلك ما جاء فيه " المسلسل في غريب لغة العرب " قال في شرح مادة "الحال " في قول امرئ القيس: (من الطويل)
سَمَوتُ إِلَيها بَعدَ ما نامَ أَهلُها سُموَّ حَبابِ الماءِ حالاً عَلى حالِ (٣)

(١) النهاية في غريب الحديث والأثر ١/١٥٩
(٢) النهاية في غريب الحديث والأثر ١/١٦٠
(٣) ديوان امرئ القيس، ص ١٠٠


الصفحة التالية
Icon