... لقد كان الشيخ قاسم زاهدا ورعا، وكان أحد صوفية الأشرفية، ولذا كان مدافعا عن ابن عربي، وعندما حدثت فتنة ابن الفارض سنة ٨٧٥هـ بسبب قصيدته التائية، التي اختلف الناس في تفسيرها، فمنهم مَن أخذ بظاهر لفظه، فنسبه إلى الحلول والقول بالإتحاد، ومن ثم حكم بفسقه وكفره، ومنهم مَن أوّل كلامه، ولم ينسبه إلى كفر أو فسق، أوحلول، أو اتّحاد، وقد وقف شيخنا هذا الموقف، فأوّل كلام ابن الفارض، ودافع عنه حتى اتُّهم بالقول بالإتّحاد، ولهذا اشتد الأمر بينه وبين البقاعي، وتكلّم فيه.
... إن اتّهام البقاعي له بالكذب مصدره حسد الأقران، وهيهات هيهات لمن يحسد الشمس ضوءها.
ومن العلماء الذين دافعوا عن صاحبنا دفاعا فاق الحد السخاوي الذي كان من أمثل جماعته، ولشدة هذه العلاقة أراد الشيخ أن يغسّل والد السخاوي عند موته، فلم يرض السخاوي إجلالا واحتراما له.
ثقافته ومؤلفاته :
... لقد رُزق صاحبنا حافظة واعية، فحفظ القرآن صغيرا، ثم أقبل على العلم، فمهر في العربية، والقراءات، والتفسير، والحديث، ونقد الرجال، والفقه والأصول، والمنطق والكلام، وغير ذلك، فأقبل على التأليف في وقت مبكر، وسنه لم تتجاوز الثامنة عشرة، فأحرز شهرة علمية واسعة، فكتب في جميع العلوم التي عُرفت في عصره، وأجاز له بعض شيوخه تدريس مؤلفاته، وأذن له غير واحد بالإفتاءوالتدريس.
ونظرا لسعة علمه، أخذ يجالس العلماء ويُناظرهم، كيف لا، وهو الذي أجاد كثيرا من الفنون، وقد قال عنه السخاوي (١) :( إنّ كلامه أحسن من قلمه، مع كونه غاية في التواضع، وطرح التكلّف، وصفاء الخاطر جدا، وحسن المحاضرة، لا سيما في الأشياء التي يتحفّظها، والرغبة في المذاكرة للعلم )، وكان قوي المناظرة، مع القدرة على إفحام الخصم، وكان طيب الخلق، ومن حُسن خلقه أنه كان يأخذ العلم والحق ممن هم دونه.

(١) الضوء اللامع ٦/١٨٨


الصفحة التالية
Icon