لقدأعار علماء العربية اللفظ الغريب عنايتهم من الدرس والبحث، فميزوا بين نوعين من الغريب (١)، الأول أن تكون الكلمة وحشية لايظهر معناها، فيحتاج في معرفتها إلى أن يبحث عنها في كتب اللغة المبسوطة، كما روي عن عيسى بن عمر النحوي حين سقط عن حماره، فاجتمع عليه الناس، فقال : ما لكم تَكْأ كأتم عليّ تَكَأْكُؤَكم على ذي جِنَّة، افرنقعوا عني، أي اجتمعتم، تنحوا. والثاني أن يخرج لها وجه بعيد كما في قول العجاج :(من الرجز)
وفاحماً ومَرْسِنا مسرَّجا (٢)
قال العلماء معلقين : فإنه لم يظهر ما أراد بقوله مسرجاً حتى اختُلف في تخريجه، فقيل هو من قولهم للسيوف سُرَيْجيّة، منسوبة إلى قَيْن يقال له سُرَيْج، يريد أنه في الاستواء والدقة كالسيف السريجي، وقيل إنه في البريق كالسّراج.
ثم وضع علماء العربية والبلاغة معايير وأقيسة، فرّقوا فيهما بين اللفظ الغريب وما يقابله من الفصيح (٣).
وبهذا الإيضاح لمادة "غريب" تجلَّى المقصود منها في عرف اللغويين والمتخصصين في حقل الدراسة اللغوية.
فالغريب مرادف للحوشي والشارد والنادر. قال السيوطي: معرفة الحوشي والغرائب والشواذ والنوادر هذه الألفاظ متقاربة، وكلها خلاف الفصيح (٤). فهل راعى المصنفون في "غريب القرآن" و"غريب الحديث" و"غريب..." مقصود مادة "غريب"، فضموا في خضم مؤلفاتهم الشاذ والنادر والحوشيّ ؟؟ استناداً إلى ما ترمي إليه الكلمة، أم ذهبوا مذهباً مغايراً ؟!
إن مؤلفات الغريب التي اتخذناها نماذج في دراستنا تجيب عن هذا السؤال، ففي شواهدها تكمن الحقيقة، وفي موادها الخبر اليقين.
(٢) ديوان العجاج، ص ٣٦١
(٣) التلخيص في علوم البلاغة، ص ٢٤ ـ ٣٢
(٤) المزهر في علوم اللغة ١/٢٣٣