وفيها ) التهذيب وهو أن يكون الكلام مهذباً مفخماً بحيث لا يكون للإعتراض فيه مجال والآية والقرآن كله كذلك ( وفيها ) الاستتباع وهو الوصف بشيء على وجه يستتبع الوصف بآخر وهو هنا فى موضعين فإنه وصف المؤمنين بولاية الله تعالى لهم على وجه وصفهم بالهداية ووصف الكافرين بولاية الطاغوت على وجه استتبع وصفهم بالضلالة ( ثم ظهر لى ) أن يقال أن فى قوله يخرجهم من الظلمات إلى النور مكنية تخيلية (٢٣) بأن يكون شبه المنتقل من الضلال إلى الهدى بمن كان قارّا فى مكان مظلم يخرج منه إلى مكان نير فأثبت المشبه وحذف المشبه به ودل عليه بلازمه وهو الإخراج ويجوز أن تكون الإستعارة تمثيلية انتزع فيها وجه الشبه من متعدّد كما ترى ويأتى ذلك فى الجملة الثانية أيضاً
( وظهر لى أيضاً ) أن تأتى فيها التورية وذلك أن ورد فى الحديث أن الناس يكونون يوم القيامة فى ظلمة ثم يرسل عليهم نور فيبقى نور المؤمن ويطفأ نور المنافق وقد يؤول بعضهم هذه الآية على ذلك فعلى هذا يكون النور والظلمات معنى حقيقى ومعنى مجازى والمجازى هو القريب والحقيقى البعيد
( وينجر ) من هذا أن يكون فى الآية التلميح وهو الإشارة إلى قصة أو واقعة أو كائنة وقد يكون أريد من الآية المعنيان معاً
كما هو عادة القرآن وبلاغته وقد ورد لكل حرف ظهر وبطن فيكون فى الآية استخدام على طريقة صاحب المفتاح نحو لكل أجل كتاب (٢٤) وهو إطلاق لفظ له معنيان فيرادان ويذكر معه لفظان كل لفظ يخدم معنى وهنا لما ذكر النور والظلمات وأريد المعنيان ذكر لفظ يخدم المعنى الحقيقى وهو الإخراج فإنه حقيقة فى التحوّل عن الحيز والأمكنة ولفظ يخدم المعنى المجازى وهو لفظ الإيمان والكفر
( ثم ظهر لى ) أن فى الآية اللف والنشر فى موضعين أحدهما مرتب والآخر غير مرتب
فالأول فى الله ولىّ الذين آمنوا يخرجهم فإن المضمر الأول فيه هو المستتر وهو راجع إلى الجلالة
١٧)التغليب ليس من باب الحقيقة قطعاً لأن اللفظ مستعمل فى غير ما وضع له فلفظ الذين فى الآية موضوع فى الأصل لجمع العقلاء من الذكور لكنه فيها مراد منه الإناث أيضا ثم التغليب يكون من الجمع بين الحقيقة والمجاز ومن المجاز ومن عموم المجاز فالجمع بين الحقيقة والمجاز أن تنسب إلى اللفظ معنيين كل منهما على حدته أحدهما حقيقى والآخر مجازى كالذكور والإناث بالنسبة إلى لفظ الذين فتقول شبهت جمعية الإناث بجمعية الذكور بجامع أن كلاً وليه الله مثلاً واستعير اللفظ الدال على جمعية الذكور باعتبار هيئته لجمعية الإناث ثم أريد منه الذكور والإناث فالعلاقة معتبرة حينئذٍ بين بعض ما أريد باللفظ وبين البعض الآخر أى بين الذكور والإناث إذ هما شطرا ما أريد باللفظ وأما على كون التغليب من المجاز فتكون العلاقة معتبرة بين تمام ما أريد باللفظ وبين المعنى الحقيقى فتقول شبهت جمعية المشتركين لفظاً بجمعية المشتركين لفظاًومعنى أى شبهت الجمعية المكونة من الذكور والإناث بالجمعية المكونة من الذكور فقط واستعير المشبه به للمشبه وعموم المجاز أن تعتبر نقل لفظ الذين من الجمع المقيد أى جمع الذكور إلى مطلق جمع أى إلى معنى كلى يشمل المعنى الحقيقى وغيره فالعلاقة حينئذٍ الإطلاق وهى معتبرة بين تمام المراد والمعنى الموضوع له اللفظ كما فى سابقه والمثنى كالجمع فى جميع ما ذكر إلا أن نحو أبوين المقول على الأم والأب يلزم فيه ابتداءً ان تشبه الأم بالأب لعلاقة المجاورة فى الذهن أو الذكر ثم يجرى التجوّز فى هيئة التثنيه كما أسلفنا والمشهور أن التجوّز فى المثنى والجمع أصلى فى غير المشتق منهما تبعى فى المشتق فمثال الجمع المشتق قوله تعالى حكاية عن مريم وكانت من القانتين إذا المراد بالقانتين ما يعم القانتات أيضاً فتقول شبه قنوت الإناث بقنوت الذكور واستعير الثانى للأول واشتق من قانتين وأريد به الذكور والإناث بناء على الوجه الأول أى الجمع بين