ومن آداب حرمة البيوت الاستئذان فإن ديننا الحنيف ينفرد بتعاليم عظيمة، وسر عظمته أنه يعتمد على الوقاية قبل وقوع المرض والشروع في العلاج فهو بذلك لا يحارب الدوافع الفطرية بل ينظمها، وذلك بتضييق فرص الغواية، واتقاء عوامل الفتنة، فهو منهج التربية الإسلامية الذي يجب أن نستلهمه ونسير على خطاه ومن ذلك الاستئذان قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٢٧) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨) ﴾ [النور: ٢٧، ٢٨].
والآيات السابقة لهاتين الآيتين ذكرت الزنا وحكمه والقذف وقصة الإفك وهنا بسط للموضوع وإتباعه يمنع شبهة هذه الجرائم، وهي حكمة دخول البيوت بدون استئذان فأرشد سبحانه إلى طريقة مثلى يجب إتباعها حتى لا يقع الناس في الخطر الجسيم الذي يقضي على أواصر المجتمع، ويدمر الأسرة، ويشيع الفحشاء بين الناس.
فإن الاستئذان على البيوت يحقق لها حرمتها التي تجعل منها مثابة وسكنًا ويوفر على أهلها الحرج من المفاجأة والتأذي بانكشاف العورات التي تشمل عورة البدن والطعام واللباس والأثاث وكذلك عورة المشاعر والحالات النفسية، فالكثير لا يحب أن يراه الناس ضعيف الانفعال أو يغضب لشأن مثير، أو يتوجع لألم يخفيه عن الغرباء.
لأجل هذا كله يأمر سبحانه عند دخول البيوت طلب الإذن منهم والسلام عليهم لأن ذلك يدعو إلى المحبة والوئام ومخافة أن تطلع الأعين إلى خفايا البيوت(١).
الأمر بإخفاء الزينة والتزام الحجاب والنهي عن التبرج:

(١) …انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، جـ١٨، ص٩١.


الصفحة التالية
Icon