ولقد تجلت صفة الإيثار في موقف مشرف وقفة الأنصار من إخوانهم المهاجرين بعد حادثة فيء بني النضير وقد سجل لهم القرآن الكريم صورة راقية من صور الإخاء والنبل والتعاطف لا تصل إليها إلا النفوس الكبيرة وقد شهد لهم الحق سبحانه وتعالى ببلوغ هذه المرتبة السامية، ومن درس أخبار المسلمين إثر الهجرة المباركة ورأى ما استقبل به الأنصار المهاجرين وما أكرموهم به يعلم يقينًا أنهم يستحقون هذا المدح والثناء من الله سبحانه وتعالى قال جل شأنه: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ [الحشر: ٩].
هذا الإيثار التطوعي والتعاطف الإجتماعي الذي تجلى في أخلاق الأنصار لن تجد له مثيلاً في تاريخ البشرية وفي أخبار الأمم، لقد شاركوا إخوانهم المهاجرين الذين اضطهدوا في دينهم وأخرجوا من ديارهم، وأضحوا لا يملكون شيئًا من متاع الدنيا وزينتها، لقد كان الأنصاري يؤاخي المهاجر ويناصره، بل ويؤثره على نفسه في كثير من حظوظ الحياة. وإذا مات أحدهما ورثه الآخر(١).

(١) …انظر: تربية الأولاد في الإسلام، عبد الله علوان، جـ١، ص٣٦٣، ٣٦٤، نحو ثقافة إسلامية، د. عمر الأشقر، ص١٦٨، ١٦٩.


الصفحة التالية
Icon