إن «الرزق وإن كان محتوماً؛ فإن الله ـ تعالى ـ قد وكَّل ابن آدم إلى سعي ما فيه؛ لأنه أمر مريم بهز النخلة لترى آية، والأمر بتكليف كسب الرزق سنة الله ـ تعالى ـ في عباده. وإن ذلك لا يقدح في التوكل» (١).
أما في مجال التربية؛ فإن الأساس هو الحركة والانطلاق والاختلاط في دنيا الناس؛ لأن الله ـ عز وجل ـ قد ربط بين خيرية هذه الأمة، وبين خروجها للناس لكل الناس، لتتحمل واجبات القوامة والشهادة، وذلك لتأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، حاملة عقيدتها الربانية الخالدة السامية، ألا وهي الإيمان بالله ـ تبارك وتعالى ـ: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: ١١٠].
وبناء هذه الأمة لا يكون إلا من خلال الواقع، والحركة بالمنهج خلال هذا الواقع.
وشواهد القرآن الكريم كثيرة، وكلها تدل على أن من يحمل رسالة عليه أن يقوم بها، ويتحرك بها، ويدرك تبعاتها.
لذا فقد كانت الخطوة الأولى للحبيب -صلى الله عليه وسلم- هي القيام بالأمر العظيم، وهو الدعوة، وتطليق الراحة والدعة، وذلك استجابة للأمر الإلهي: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إلاَّ قَلِيلاً﴾ [المزمل: ١ - ٢].
وعندما حكى القرآن الكريم عن ذلك الصحب المؤمن، وتجربتهم الدعوية التغييرية، وضّح أنهم قد تحركوا بعقيدتهم إلى عالم الواقع: ﴿إذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إلَهًا لَّقَدْ قُلْنَا إذًا شَطَطًا﴾ [الكهف: ١٤].
وكذلك عندما بدأ العبد الصالح تجربته التعليمية التربوية مع موسى ـ عليه السلام ـ انطلق به ومعه وتحركا عملياً: ﴿فَانطَلَقَا حَتَّى إذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِداَرًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ [الكهف: ٧٧].