؟ السمة الرابعة: الجدية في التنفيذ:
ولقد جاء في سياق القصة أن عملية التغيير قد بدأت برسولين: ﴿إذْ أَرْسَلْنَا إلَيْهِمُ اثْنَيْنِ﴾ [يس: ١٤].
فالرسول الثاني يقوي ويعضد الرسول الأول. ثم قوى ـ سبحانه ـ هذين الرسولين برسول ثالث، وذلك بعد أن كذب أهل القرية الرسولين: ﴿فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾. وتقدموا ثلاثتهم بدعواهم ودعوتهم من جديد: ﴿فَقَالُوا إنَّا إلَيْكُم مُّرْسَلُونَ﴾ [يس: ١٤]. فما كان من أصحاب القرية إلا أن شككوا في صدقهم، وفي صدق طبيعتهم البشرية، وفي صدق فكرتهم: ﴿قَالُوا مَا أَنتُمْ إلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَنُ مِن شَيْءٍ إنْ أَنتُمْ إلاَّ تَكْذِبُونَ﴾ [يس: ١٥]. فأعلن الرسل صدق مرجعيتهم الربانية؛ فهم رسل الله جل وعلا، وبينوا صدق فقههم لدورهم، وهو البلاغ: ﴿قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إنَّا إلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَمَا عَلَيْنَا إلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ [يس: ١٦ - ١٧]. فتشاءم أهل القرية منهم وتوقعوا منهم الشر: ﴿قَالُوا إنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ﴾ [يس: ١٨]. ثم هددوهم: ﴿لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. فما كان من الرسل الكرام إلا أن ردوا عليهم بثقة: ﴿قَالُوا طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ﴾ [يس: ١٩].
من هذا السياق نستشعر سمة مهمة جداً تتصف بها الطليعة الربانية، ألا وهي الإصرار على القيام بالأمر الموكول، والجدية في تحقيق الغاية من المهمة.
وهذه الجدية نلمسها من خلال تدبر جانبين أو أمرين:
الأمر الأول: دور المشيئة الإلهية في جدية إتمام المهمة، من حيث إرسال رسولين، ثم تقويتهما برسول ثالث.
الأمر الثاني: نستشعرها من خلال دور وسلوك الرسل الكرام، وجدية أخذهم بمهمة الدعوة إلى الله ـ عز وجل ـ رغم كل العوائق التي واجهتهم، فكلما ظهرت عقبة، مثل التكذيب، أو التشكيك، أو التهديد ولو بالقتل، نجد أن هناك حلولاً وردوداً مقنعة ومفحمة تبين مدى الإصرار على إنجاز المهمة الربانية الشريفة.


الصفحة التالية
Icon