ومن خلال تدبر آيات الجولة الثانية في القصة، والتي تبين المواجهة بين الرجل المؤمن وقومه، يمكننا أن نستشعر بعض السمات الأخرى للطليعة المؤمنة.
فلقد أورد السياق أن الرجل المؤمن قد تحرك ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ﴾ [يس: ٢٠].
وهي اللمحة القرآنية التربوية الطيبة التي تهمنا في قضيتنا أو موضوعنا، وهي البحث في سمات الدعامة الأولى في عملية التغيير الحضاري، أو هي صفات الطليعة الفاعلة.
والتي نستشف منها أن هؤلاء الدعاة الربانيين، وهم الرسل الذين أرسلهم الحق ـ سبحانه ـ إلى أصحاب القرية، قد نجحوا في عرض قضيتهم، فاستعصت على محاولات التحجيم والتغييب، وكسرت طوق التعتيم والتجهيل والعزل، واتسعت دائرتها، وأصبحت حديث الشارع، حتى وصلت إلى أقصى مكان بالمدينة.
وهذه سمة مهمة جداً، يتبين منها صورة من صور النصر، ألا وهي النجاح في المهمة الموكولة، وهي البلاغ.
وتبين نجاح الرسل في نشر الفكرة في كل مكان مستطاع، وعدم الركون أو الهزيمة أمام ضغط الواقع، وأمام صعوبة العوائق.
؟ السمة التاسعة: الاهتمام بقضية الخروج إلى الناس:
وتبين القصة، في بداية آيات الجولة الثانية، أن الخير قد أتى من حيث لم يُتوقع، وأن الله ـ عز وجل ـ قد سرّى عن هؤلاء الرسل عندما تعرضت فكرتهم للحصار، وتعرضوا للتكذيب والتهديد، فجاء الفرج: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾ [يس: ٢٠].
وهي لمسة تسرية ربانية تعطي الأمل لهؤلاء الرسل، فتقول لهم لقد أديتم مهمتكم، ونجحتم في حسن عرض القضية وتقديمها، وبيان عدالتها، فتفاعل الشارع معكم ممثلاً في تحرك هذا الرجل المؤمن، حتى لو كان فرداً، وفرداً واحداً، متفاعلاً مع عدالة قضيتكم وصدقها.
بل يتحمل خطورة عرض دفاعه ورأيه، حتى لو أدى ذلك إلى استشهاده في سبيل موقفه المناصر.


الصفحة التالية
Icon