لقد قتله قومه، فقدموا له خيراً ومعروفاً من حيث لم يقصدوا أو يريدوا. ولهذا تمنى لهم الهداية. فنصحهم في حياته ونصحهم في مماته (١).
ونستشعر من خلال هذه النهاية، ومن خلال تدبر آخر كلماته، أن هذا الرجل المؤمن كان يتميز بصفة إنسانية راقية، وهي حب فعل الخير.
وتدبر ما ورد في قصة صاحب الجنتين، عندما نتأمل الرجل المؤمن في حواره، وعرض أفكاره، ونقف عند نقطة مهمة جاءت على لسانه، والحوار في مرحلة ساخنة، وهي نصحيته المشفقة: ﴿وَلَوْلا إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ﴾ [الكهف: ٣٩]، حيث أرشد الرجل المؤمن صاحبه الكافر، وهو يحاوره، إلى التصرف اللائق الصحيح الذي يشكر فيه ربه، ويعمل على دوام نعمة الله عليه.
وكذلك نتذكر ما ورد في قصة الغلام والراهب (٢)، أنه ما أن استقر الإيمان في قلبه، بدأ في الاختلاط والخروج إلى الناس، وأخذ بالاندماج في مشاكل حياتهم، وقدم إليهم الخير والخدمات الجليلة، مثل قتل الدابة، ومعالجة المرضى.
وحب فعل الخير هي الصفة التي تفتح الأبواب الموصدة أمام الفكرة، وذلك من خلال فتح القلوب، ومعالجة النفوس التي تحب فعل الخير إليها. فهي تقوم على فقه استعباد قلوب الناس.
وتلك ركيزة يستشعرها أبناء التيار الإسلامي من باب مسؤوليتهم، وتمثيلهم لتيار جاء ليحمل الخير للبشرية التعيسة الرافضة الجامحة.
ومن باب تلك العاطفة الجياشة التي يحملها دعاة التيار الديني دوماً في كل عصر، وفي كل موقف، حتى لمخالفيهم.
ذلك التيار الذي يحمل شعاراً، وأمراً ربانياً لبث الخير أينما حل، وهو طريق الفلاح ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج: ٧٧].
(٢) - صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب قصة أصحاب الأخدود، ٤/ ٢٢٩٩، ورقمه ٣٠٠٥، ورواه الترمذي في سننه في كتاب التفسير، تفسير سورة البروج، ٤/ ٤٣٧.