ويجوز أن يقال: إن لفظ البشر، يقتضي الظهور. وسمُّوا: بشرًا ؛ لظهور شأنهم. ومنه قيل لظاهر الجلد: بشرة. فعُبِّر عن الإنسان بالبشر، اعتبارًا بظهور جلده من الشعر، بخلاف الحيوانات التي تكون بشرتها مغطاة بالصوف أو الوَبر أو الشعر.
ويُفَرَّق بين البشر، والحيوان من وجه آخر، وهو: أن البشر مخلوق من جسد ونفس وعقل، والحيوان مخلوق من جسد ونفس فقط. ومن هنا يمكن القول بأن البشر حيوان ناطق، خلافًا للمشهور من قولهم: الإنسان حيوان ناطق ؛ لأن الإنسان يمثل مرحلة متطورة من حياة البشر ؛ ولهذا قيل- كما ذكر الراغب الأصفهاني-: الإنسان مدنيُّ بالطبع. وقال أيضًا: وخُصَّ في القرآن كل موضع اعتُبِر من الإنسان جُثَّتُُهُ وظاهرُه بلفظ البشر ؛ نحو قوله تعالى:﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً ﴾(الفرقان: ٥٤). ولما أراد الكفار الغَضَّ من الأنبياء، اعتبروا ذلك فقالوا:﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ﴾(المدثر: ٢٥). وقالوا على سبيل الإنكار:﴿ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَّسُولاً ﴾(الإسراء: ٩٤).
وأما قوله تعالى:﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ﴾(الكهف: ١٢٢) فهو تنبيهٌ على أن الناس يتساوون في الذات البشرية. وإنما يتفاضل الناس بما يختصُّون به من المعارف الجليلة، والأعمال الجميلة ؛ ولهذا قال عقبه:﴿ يُوحَى إِلَيَّ ﴾، تنبيهًا على أنه عليه الصلاة والسلام تميَّز بذلك عن غيره. وعلى هذا جاء قولهم:﴿ ما أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا ﴾.
وأما قولهم:﴿ وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَىْءٍ ﴾ فهو نَفْيٌ على سبيل الاستغراق والشمول لأن يكون الرحمن أنزل شيئًا من وحي، أو غيره على أحد ؛ كما يدَّعي المرسلون. وظاهر هذا القول يقتضي إقرارهم بالألوهية ؛ لكنهم كانوا ينكرون الرسالة، ويتوسلون بالأصنام.
وكان تخصيص هذا الاسم الجليل:﴿ الرَّحْمنُ ﴾، من بين أسماء الله عز وجل ؛ لزعمهم أن الرحمة تأبى إنزال الوحي، لاستدعائه تكليفًا، لا يعود منه نفع له سبحانه، ولا يتوقف إيصاله تعالى الثواب إلى العبد عليه. وفيه إشارة إلى الرد عليهم ؛ لأن الله تعالى لما كان اسمه الرحمن، وكان إنزال الوحي رحمة، فكيف لا ينزل رحمته، وهو الرحمن ؟


الصفحة التالية
Icon