وليس لهذه الآلهة من الجاه والمكانة عند الله تعالى ما يشفع له إليه ؛ ليتخلص من ذلك الضُّرِّ. فبأي وجه من الوجوه تستحق هذه الآلهة الباطلة العبادة ؟
وقوله:﴿ أأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ﴾ إنكارٌ لاتخاذ جنس الآلهة على الإطلاق، ونَفْيٌ لوجود إله غير الله جل وعلا ؛ كما كان قوله:﴿ وَماليَ لا أَعْبُدُ ﴾ إثباتًا لوجود الله عز وجل. ولا يتم التوحيد، ويتحقق معنى ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ إلا بهما. وهذا تعريض بقومه الذين اتخذوا آلهة، وعبدوها من دون الله سبحانه، وفيه من تحميق من يعبد الأصنام ما فيه. وفي الآية أيضًا- كما قال الفخر الرازي- لطائف:
الأولى: ذِكْرُهُ على طريق الاستفهام، فيه معنى وضوح الأمر ؛ وذلك أن من أخبر عن شيء، فقال مثلاً: لا أتخذ، يصِحُّ من السامع أن يقول له: لِمَ لا تتخذ ؟ فيسأله عن السبب. فإذا قال: أأتخذ ؟ يكون كلامه أنه مستغن عن بيان السبب الذي يطالب به عند الإخبار ؛ كأنه يقول: استشرتك فدلني، والمستشار يتفكر ؛ فكأنه يقول: تفكر في الأمر، تفهم من غير إخبار مني.
الثانية: بيَّن أن ﴿ مِنْ دُونِهِ ﴾ لا تجوز عبادته. فإن عبد غير الله، وجب عبادة كل شيء مشارك للمعبود الذي اتخذ غير الله ؛ لأن الكل محتاج مفتقر حادث. فلو قال: لا أتخذ آلهة، لقيل له: ذلك يختلف، إن اتخذت إلهًا غير الذي فطرك، ويلزمك عقلاً أن تتخذ آلهة، لا حصر لها. وإن كان إلهك ربك وخالقك، فلا يجوز أن تتخذ آلهة.
الثالثة: قوله:﴿ أأَتَّخِذُ ﴾ إشارة إلى أن غيره ليس بإله ؛ لأن المُتَّخذَ لا يكون إلهًا ؛ ولهذا قال تعالى:﴿ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ﴾(الإسراء: ١١١) ؛ لأنه تعالى لا يكون له ولد حقيقة، ولا يجوز ؛ وإنما النصارى قالوا: تبنَّى الله عيسى وسمَّاه: ولدًا، فقال:﴿ لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ﴾.
وأما قوله:﴿ إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ ﴾ فهو جملة شرطية استئنافية، سيقت لتعليل النفي المذكور. وجعلها صفة لـ﴿ آلِهَةً ﴾- كما ذهب إليه بعض المفسرين- ربما يوهم أن هناك آلهة ليست كذلك.