النفي وتأكيده هو أنه تعالى قدَّر لكل شيء سببًا، وأجرى سنَّته في هلاك من أهلك من الأمم المكذبة على بعض الوجوه دون بعض ؛ حيث أهلك بعضهم بالحاصب، وبعضهم بالصيحة، وبعضهم بالخسف، وبعضهم بالإغراق، وبعضهم بالمطر ؛ كما أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله:
﴿ فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾(العنكبوت: ٤٠) - ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ (الأعراف: ٨٤) - ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ﴾ (الشعراء: ١٧٣، والنمل: ٥٨).
هذه هي ﴿ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ﴾(الأحزاب: ٦٢)، ﴿ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً ﴾(فاطر: ٤٣).
ولم يجعل سبحانه وتعالى إنزال الجند من السماء في إهلاك المكذبين إلا من خصائص محمد ﷺ في الانتصار له من قومه، خلافًا لهؤلاء القوم الذين عاجلهم بالهلاك، إن كانت إلا صيْحَة واحدة، أخمدت أنفاسهم، وجعلتهم أثرًا بعد عين:
﴿ إِِنْ كانَتْ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ ﴾
قال المفسرون: أرسل الله تعالى عليهم جبريل- عليه السلام- فأخذ بعضادتي باب بلدهم، ثم صاح بهم صيحة واحدة، فإذا هم صرعى بائدون عن آخرهم، لم يبق فيهم روح تتردد في جسد. وفي ذلك إشارة إلى تهوين شأنهم، وتصغير قدرهم، وإيماء إلى تفخيم شأن الرسول.
وقراءة الجمهور:﴿ إِِنْ كانَتْ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً ﴾، بنصب ﴿ صَيْحَةً ﴾، على الخبر. أي: ما كان عذابهم إلا صيحة واحدة. وقرأ أبو جعفر، وشيبة، ومعاذ بن الحارث القارىء برفع ﴿ صَيْحَة ﴾، على أنها فاعل لفعل الكون. والمعنى: ما وقعت، أو حدثت إلا صيحة واحدة.


الصفحة التالية
Icon