عن محض اختيارهم بل كان بإرسالنا إليهم فكذبوهما فقوينا الحق وأيدناه برسول ثالث، فقالوا جميعا : إنا إليكم يا أهل القرية مرسلون.
وفي تعيين القرية وأسماء الثلاثة ذكر المفسرون كلاما كثيرا اللّه يعلم أنه لا يسند إلى سند متين، ولكنه من الإسرائيليات. على أننا لا يهمنا معرفة نفس القرية ولا أشخاص الرسل، ولكن المهم أن نعرف ماذا حصل ؟ وماذا كانت النتيجة ؟ والمفسرون يذكرون أن هؤلاء الرسل كانوا لعيسى ابن مريم فهم رسل رسول اللّه، ولست أدرى ما الذي حملهم على هذا!
ولم لا يكونون رسلا للّه سبحانه وتعالى ؟ لأنهم ساقوا في كلامهم أنهم أتوا بمعجزات كإحياء الموتى وإبراء الأكمه إلى آخر ما ذكره، وهذا في ظني - واللّه أعلم - لا يكون إلا لنبي يدعى النبوة. (١)
أرسلت الرسل، وقالوا : إنا إليكم مرسلون.. فماذا قال أصحاب القرية ؟ قالوا : لستم رسلا ولا يعقل أن تكونوا رسلا لأنكم بشر مثلنا فمن الذي فضلكم علينا ؟ وهل فيكم من غنى أوجاه أو قوة حتى تكونوا رسلا إلينا ؟ اعترضوا بهذا وما علموا أن اللّه يعلم حيث يجعل رسالته، والرسول بشر من البشر علم اللّه أنه يتحمل مشقة الرسالة فأرسله للناس وهو العليم الخبير بخلقه، فليست الرسالة تتنافى مع البشرية، وليست المزية والأفضلية في الاختيار ترجع إلى الغنى أو القوة المادية، وإنما مرجعها إلى نواح نفسية روحية اللّه أعلم بها، ومن هنا نعرف أن اعتراضات الكفار قديما وحديثا واحدة.
وقالوا : ما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون كذبا متجددا حادثا كلما ادعيتم الرسالة، وهذه شبهة ثانية لهم تتعلق بالحق تبارك وتعالى. والشبهة الأولى تتعلق بالمرسلين، وخلاصة هذه الشبهة أن الكون أمامنا لم نر فيه أى دليل على أن الرحمن ينزل شيئا من عنده نيابة عنه، ونحن لا نراكم إلا كاذبين، فماذا قالت الرسل لهم ردّا على الاتهام، وتفنيدا لتلك الشبهة ؟