فأما حال من أشرك وكفر وكذب فعاقبته الخسران والضلال والهلاك، اسمع إلى الحق تبارك وتعالى يقول وهو أصدق القائلين : وما أنزلنا على قوم هذا الرجل المؤمن بعد نجاته من جند من السماء، وما كان ينبغي لنا أن ننزل فلسنا في حاجة إلى ذلك أبدا.
ما كانت عقوبتهم إلا صيحة واحدة فقط من جبريل فإذا هم بسرعة كسرعة البرق خامدون هامدون لا حراك ولا حرارة ولا حياة، وسبحان اللّه الواحد القهار فاعتبروا يا أهل مكة إن كنتم من أولى الأبصار!!
وما أنزل ربك - القادر على كل شيء - على قوم الرجل المؤمن الذي جاء من أقصى المدينة يسعى من بعد موته، ما أنزل عند إهلاكهم جندا من السماء ؟ وما احتاج الأمر إلى شيء من ذلك فبأى شيء كان إهلاكهم ؟ ما كانت إلا صيحة واحدة من جبريل فإذا هم بعدها مباشرة خامدون وميتون لا حراك بهم، خمدوا كما تخمد النار فتصير رمادا.
يا حسرة (١) على هؤلاء المكذبين!!
يا حسرة على هؤلاء وأمثالهم!! ما يأتيهم من رسول يهديهم إلى الحق، وإلى الصراط المستقيم إلا كانوا به يستهزئون، فاستحقوا الهلاك من رب العالمين، نعم إنهم يستحقون أن يتحسر عليهم المتحسرون وخاصة الملائكة والمؤمنون من الثقلين لما رأوا عاقبة أمرهم ونهاية كفرهم واستهزائهم.
عجبا لهؤلاء وأمثالهم من كفار قريش! ألم يروا أن أهلكنا قبلهم كثيرا (٢) من الأمم السابقة لما كذبوا وكفروا ؟ !
ألم يروا أنهم بعد الهلاك إليهم لا يرجعون أبدا ؟ وما كلهم إلا محشورون (٣) ومجموعون، ولدينا للحساب يوم القيامة محضرون، فهل يتعظون ويعتبرون ؟ ويعلمون أن اللّه على كل شيء قدير، وأنه يجازى كل كفور، وهذا تهديد لهم. (٤)

(١) - المنادى محذوف والأصل يا قومي تحسروا حسرة على هؤلاء، وفي قراءة : يا حسرتا، والأصل : يا حسرتى على أنه من كلام الملائكة أو المؤمنين أو من اللّه. وقيل : المنادى الحسرة نفسها، أى : هذا أوانك فاحضرى.
(٢) - الاستفهام في (ألم يروا) للتقرير، وكم خبرية مفعول لأهلكنا، وأنهم لا يرجعون بدل اشتمال في المعنى لا في اللفظ من أهلكنا لأن إهلاكهم مشتمل ومستلزم لعدم رجوعهم.
(٣) - « وإن كل لما جميع » في مثل هذا إعرابان يرجعان إلى قراءة لما مخففة ومشددة، فعلى قراءة التشديد إن نافية ولما بمعنى إلا، وعلى قراءة التخفيف إن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشان وكل مبتدأ واللام هي الفارقة، وما زائدة صلة وجميع خبر، ولدينا ظرف متعلق به، ومحضرون خبر ثان.
(٤) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ١٨٠)


الصفحة التالية
Icon