فقد أبان أنّ الحق لا يعدم نصيرا، وأن اللّه يقيّض له من يدافع عنه فقال :(وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ. اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) أي وجاء من أطراف المدينة رجل يعدو مسرعا، لينصح قومه حين بلغه أنهم عقدوا النية على قتل الرسل، فتقدم للذبّ عنهم ابتغاء وجه اللّه ونيل ثوابه، قال يا قوم اتبعوا رسل اللّه الذين لا يطلبون منكم أجرا على تبليغهم ولا يطلبون علوا في الأرض ولا فسادا، وهم سالكون طريق الهداية التي توصل إلى سعادة الدارين.
" فأي دعوة أولى من هذه الدعوة، بالقبول لها، والاحتفاء بأهلها ؟
إنها دعوة من أهل الهدى، الذين لا يسألون أجرا على هذا الهدى الذي، يقدمونه ويدعون إليه.. فلم التمنّع والإعراض عن خير يبذل بلا ثمن ؟
ذلك لا يكون إلا عن سفه وجهل معا..
ثم يعرض هذا الوافد الجديد، نفسه عليهم، في الزىّ الجديد الذي تزيّا، والخير الموفور الذي بين يديه من تلك الدعوة.. "
فقد أبان لهم أنه ما اختار لهم إلا ما اختاره لنفسه فقال :(وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ؟ ) أي وما يمنعني من إخلاص العبادة للذي خلقني، وإليه المرجع للجزاء يوم المعاد فيجازيكم على أعمالكم إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
وفي هذا تقريع لهم بتركهم عبادة الخالق وعبادة غيره، وتهديد بتخويفهم بالرجوع إلى شديد العقاب.
ثم أعاد التوبيخ مرة أخرى مبينا عظيم حمقهم فقال :(أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ ؟ ) أي أأعبد من دون اللّه آلهة لا تملك من الأمر شيئا، وهو لو أرادني بسوء فلا كاشف له إلا هو، ولا تملك الآلهة دفعه عنى ولا منعه.
(إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي إنى إذا فعلت ذلك واتخذت من دونه آلهة لفى ضلال بيّن لا يخفى على من له أدنى مسكة من عقل، فإن إشراك من لا يخلق وليس من شأنه


الصفحة التالية
Icon