وأهل الضلال مهرب إلى عالم الفناء الأبدي، حيث يذهبون ولا يعودون، كي يفلتوا من العذاب الأليم.
وإذا كان الحديث هنا عن المجرمين، فقد كان قوله :« مُحْضَرُونَ » مناسبا لحالهم، التي هم فيها، والتي يمنون النفس بأن لارجعة إلى حياة بعد الموت، كما يقولون :« إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ » (٢٩. الأنعام).
أما إذا كان الحديث عامّا إلى الناس جميعا، مؤمنين وكافرين، فأكثر ما يجىء الحديث عن البعث بالرجعة إلى اللّه، كما يقول سبحانه :« إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى » (٨ : العلق).
وكما يقول سبحانه :« كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ » (٩٣ : الأنبياء).. والرجوع هنا، هو عودة إلى المبدأ الذي بدأت منه رحلة الحياة.. حيث كانت الحياة من عند اللّه، ثم رجعت إليه.."
وهذا دليل على أنه ليس من أهلكه اللّه تركه، بل بعده جمع وحساب، وحبس وعقاب ولو أن من أهلك ترك لكان الموت راحة، كما قال القائل :
ولو أنّا إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حيّ
ولكنا إذا متنا بعثنا ونسأل بعده عن كل شيّ
ومضات عامة
قال ابن كثير :
" وقد تقدم عن كثير من السلف أن هذه القرية هي أنطاكية، وأن هؤلاء الثلاثة كانوا رسلا من عند المسيح، عليه السلام، كما نص عليه قتادة وغيره، وهو الذي لم يذكر عن واحد من متأخري المفسرين غيره، وفي ذلك نظر من وجوه:
أحدها: أن ظاهر القصة يدل على أن هؤلاء كانوا رسل الله، عز وجل، لا من جهة المسيح، كما قال تعالى: ﴿ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ﴾ إلى أن قالوا: ﴿ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ﴾ [يس: ١٤-١٧]. ولو كان هؤلاء من الحواريين لقالوا عبارة تناسب أنهم


الصفحة التالية
Icon