إن أهل هذه القرية لم يستجيبوا لدعوة المرسلين، ومضوا في كفرهم وعنادهم غير مبالين، وهددوا المرسلين بالرجم والعذاب الأليم، والمتأمل في الآيات القرآنية تظهر له بعض معاني النصر والتمكين، التي حققها المرسلون، وبذلك يكونون قد نصروا نصرًا مؤزرًا، وأن أصحاب القرية هم الخاسرون، إن معاني النصر ظهرت في الحقائق التالية:
١- تمكين الله تعالى للمرسلين بحيث استطاعوا تبليغ رسالته، ولم يستسلموا لشبهة أهل القرية أولاً، وتهديدهم ثانيًا، وهذه هي مهمتهم: ﴿وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ﴾ [يس: ١٧] ومن أدى ما عليه فقد انتصر وفاز ونجح.
٢- إن استجابة رجل من أهل القرية لهم، وتأييده لدعوة التوحيد علانية يعد نصرًا وانتصارًا له ولهم، ولذلك كان رد أهل القرية عنيفًا تجاهه، لأنهم شعروا بخذلانه لهم، وخذلانهم نصر لأولئك الرسل ٣- إن استشهاد الرجل الذي جاء من أقصى المدينة نصر له ولدعوة التوحيد حيث استطاع أن يودع في قلوب الناس من المعاني الكبيرة، ويحفز الألوف إلى الأعمال الكبيرة، بخطبة مثل خطبته الأخيرة التي كتبها بدمه، فأصبحت حافزًا محركًا لأهل الإيمان على مر الدهور ومر العصور منذ نزول القرآن الكريم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، إن قتله في سبيل دعوة التوحيد كان سببًا في فوزه الأبدي بدخول الجنة ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ﴾ [يس: ٢٦].
لقد تمكن التوحيد في قلبه فجعله حريصًا على هداية قومه، فلم يحمل حقدًا ولا ضغينة مع تعذيب قومه له وقتله، وهذا انتصار عظيم على النفس البشرية: ﴿قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ - بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ [يس: ٢٦، ٢٧].
إن وصول دعوة التوحيد إلى أقصى المدينة دليل على المجهود العظيم الذي بذله المرسلون وتدل على المعاني العظيمة من الصدق والإخلاص التي تمكنت في نفوسهم من أجل دعوة التوحيد.
٤- إن انتصارات هؤلاء الرسل وهذا الداعية الذي جاء من أقصى المدينة توجت بهلاك القوم الذين كذبوا بدعوة المرسلين ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُنْدٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ - إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴾ [يس: ٢٨، ٢٩].


الصفحة التالية
Icon