ثم تمضى الآيات، فتذكر دعوة هذا الداعي إلى اللّه.. فيقول سبحانه :« وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ » (٣٨ ـ ٤٥ : المؤمن)
هذه دعوة رجل صاحب رسالة.. إنها إن لم تكن على يد رسول، فهى رسالة رسول، وحقّ لصاحبها أن يدخل فى زمرة الرسل.. وهذا هو السر فى التعبير القرآنى :« فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ » أي فعززنا الرسولين بثالث، وهذا يمكن أن يحمل ـ وهو فى إطلاقه كهذا ـ على محملين، فيقدّر برسول ثالث، أو معين ثالث، بعد المعين الثاني، الذي كان معينا للرسول الأول، فهو تعزيز بعد تعزيز.. ولقد عزّز موسى بهارون، وكان هذا الرجل المؤمن تعزيزا لهما..
بقيت مسألة تحتاج إلى نظر.. وهى أن المثل ذكر مع الرسل الثلاثة، رجلا، كانت له دعوة إلى اللّه كدعوة هؤلاء الرسل، وأنه جاء من أقصى المدينة، وهى القرية التي جاء ذكرها فى أول المثل.. وهذا الرجل يكاد يكون صورة مطابقة لمؤمن آل فرعون، الذي قلنا عنه إنه رسول، أو حوارىّ رسول. فمن هو هذا الرجل ؟ وهل له مكان فى قصة موسى مع فرعون ؟.
ونعم، فإننا نجد فى قصة موسى مع فرعون، رجلا آخر، جاء من أقصى المدينة، يسعى.. ولكنه فى هذه القصة لم يكشف عن دعوة له إلى اللّه، وإنما جاء ناصحا لموسى، هاتفا به أن يخرج من المدينة، فإن الملأ يأتمرون به ليقتلوه، كما يقول تعالى


الصفحة التالية
Icon