والسنن الإلهية الاجتماعية هي المرتكز الذي على أساسه يقوم مجال واسع في المنهج، وهو الفقه الاجتماعي والحضاري، وهذا الفقه يقوم على دراسة عوامل قيام وسقوط الحضارات.
وقد جاءت التأكيدات القرآنية المستمرة والمتعددة، على ضرورة دراسة هذا الفقه، ووضحت أن مدخله هو السير في الأرض، وفتح ملفات الأمم الابقة، لاستجلاء سننه ـ سبحانه ـ لفقهها، ولمعرفة حسن تسخيرها: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [الأنعام: ١١]. والقصص القرآني ما هو إلا برهان ثابت، وتطبيق عملي موثوق حول فاعلية تلك السنن.
أما عن السنَّتين الاجتماعيتين:
أولاً: السنة الإلهية الاجتماعية الأولى: فقد وضحت تجربة أصحاب القرية ـ كغيرها من التجارب الدعوية التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ـ أن عملية التغيير الحضاري، وبعث أي أمة جديدة، إنما تقوم على دعامتين أساسيتين، أو قاعدتين رئيسيتين، هما:
الدعامة الأولى: هي وجود القاعدة الصلبة التي تقود التغيير، وتكون بمثابة الطليعة الفاعلة، والأداة المحركة، والقوة المنفذة، والتي تمثلت في وجود هؤلاء الرسل الكرام، وحركتهم بالرسالة داخل تلك القرية.
الدعامة الثانية: هي وجود القاعدة الجماهيرية، أو الرأي العام الذي يناصر الرسالة، ويحب دعاتها ويكره أعداءها، ويحرص على انتصارها؛ والتي تمثلت في حركة الرجل المؤمن الذي جاء يناصر الرسالة، ويدافع عن الدعوة، ويؤيد الدعاة.
ثانياً: لقد بينت القصة سُنَّة إلهية اجتماعية أخرى؛ حيث أوردت صورة من صور سُنَّة التدافع الحضاري، أو قانون المدافعة القرآني.
وهي السنَّة الإلهية الاجتماعية التي تبين إرادة الحق ـ سبحانه ـ في أن يستمر الصراع والتنافس والتدافع، سواء كان فردياً أو جماعياً، بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين الإيمان وأهله والكفر وأهله، ما دامت السماوات والأرض؛ وذلك حتى تتم عملية